لابد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص – الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به – من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه ويتحقق الغرض منه وإلا لكان جاهلا أو عاجزا أو كاذبا مخادعا ومغريا للمتمسكين بقوله بإتباع الباطل. ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلا أو عاجزا لأنه عالم وقادر مطلق ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب لأنه صادق وحكيم ولا يمكن وصفه بالكذب وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء ولانتقض الدين.

ونص خليفة الله في أرضه على من بعده مع وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به – نصا إلهيا – لابد أن يكون محفوظا من الله أن يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه وإلا فسيكون كذبا وإغراءً للمكلفين بإتباع الباطل وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه.

فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأمور إذا كنت تريد شرب الماء فاشرب من هنا وأنا الضامن انك لن تسقى السم أبدا من هذا الموضع. ثم انك سُقيت في ذلك الموضع سماً فماذا يكون الضامن؟ هو أما جاهل وأما كاذب من الأساس أو عجز عن الضمان أو اخلف وعده فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

المصدر: كتاب الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال – السيد أحمد الحسن (ع)
قد تكفل الله في القرآن وفيما روي عنهم (ع) بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه آهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى:((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46))) [الحاقة].

ومطلق التقول على الله موجود دائما ولم يحصل أن منعه الله وليس ضروريا أن يُهلك الله المتقولين مباشرة بل انه سبحانه أمهلهم حتى حين وهذا يعرفه كل من تتبع الدعوات الظاهرة البطلان كدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقول على الله بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال حيث أن عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النص وصية عيسى (ع) بالرسول محمد (ص) ووصية الرسول محمد (ص) بالأئمة والمهديين (ص)

فالآية في بيان أن هذا التقول ممتنع وبالتالي فالنص محفوظ لصاحبه ولا يدعيه غيره، وتوجد روايات تبين أن الآية في النص الإلهي على خلفاء الله بالخصوص فهو نص إلهي لابد أن يحفظه الله حتى يصل الى صاحبه، فهو نص الهي محفوظ من أي تدخل يؤثر عليه سواء كان هذا التدخل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله أم في مرحلة – أو مراحل – وصوله إلى الخليفة الذي سيدعيه

وهناك روايات بينت هذه الحقيقة وهي أن التقول في هذه الآية هو بخصوص النص الإلهي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) : (( قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ قَالَ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِأَفْوَاهِهِمْ قُلْتُ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ قَالَ وَ اللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ …………………. قُلْتُ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ قَالَ يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ قُلْتُ وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ قَالَ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّداً كَذَّابٌ عَلَى رَبِّهِ وَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا فِي عَلِيٍّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذَلِكَ قُرْآناً فَقَالَ إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا مُحَمَّدٌ بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ)) الكافي ج1 ص 434.

المصدر: كتاب الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال – السيد أحمد الحسن (ع)
الإمام الصادق (ع) يقول: (إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره) الكافي للكليني ج 1 ص 372،

فالمبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية الموصوفة بأنها تعصم من تمسك بها من الضلال أو أن ادعاءه لها مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، حيث أن إمهاله مع ادعائه الوصية يترتب عليه إما جهل وإما عجز أو كذب من وعد المتمسكين به بعدم الضلال وهذه أمور محالة بالنسبة للحق المطلق سبحانه ولهذا قال تعالى: (لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) وقال الصادق (ع): (تبر الله عمره)،

وللتوضيح أكثر أقول إن الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أن الادعاء ممتنع وليس ممكنا فإن قوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)، معناه أن الهلاك ممتنع لامتناع التقول أي انه لو كان متقولاً لهلك،
والآية تتكلم مع من لا يؤمنون بمحمد (ص) والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله لأنهم لا يؤمنون بهذا، بل الاحتجاج هو بمضمون الآية أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلا وهو أن النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به لا يمكن أن يدعيه غير صاحبه لأن القول بأنه يمكن أن يدعيه غير صاحبه يلزم منه نسب الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى، إذن فلا يمكن – عقلاً وقرآناً وروايةً – أن يحصل ادعاء النص الإلهي التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أي أن النص محفوظ من الادعاء حتى يدعيه صاحبه ليتحقق الغرض من النص وهو منع الضلال عن المكلف المتمسك به كما وعده الله سبحانه.

المصدر: كتاب الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال – السيد أحمد الحسن (ع)
مرور مئات السنين على النص دون أن يدعيه احد كاف لإثبات هذه الحقيقة فقد مر على وصايا الأنبياء في التوراة ووصية عيسى (ع) مئات السنين ولم يدعِها غير محمد (ص) وأوصيائه من بعده كما ولم يدعِ وصية النبي غير الأئمة (ع) وقد احتج الإمام الرضا (ع) بهذا الواقع على الجاثليق فبعد أن بين النص من الأنبياء السابقين على الرسول محمد (ص) من التوراة والإنجيل احتج الجاثليق بأن النصوص يمكن أن تنطبق على أكثر من شخص فكان احتجاج الإمام الرضا (ع) على الجاثليق انه لم يحصل أن ادعى الوصايا المبطلون وهذا هو النص موضع الفائدة قال الجاثليق: ((……… ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة إنه محمد هذا فأما إسمه محمد فلا يصح لنا أن نقر لكم بنبوته ونحن شاكون إنه محمدكم ……… فقال الرضا (ع) : (إحتججتم بالشك فهل بعث الله من قبل أو من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد ؟ وتجدونه في شئ من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد ؟) فأحجموا عن جوابه)) [إثبات الهداة ج1 : ص 194 – 195 ]

فاحتجاج الأوصياء السابقين بهذا النص حجة على من يؤمن بهم وقد احتج عيسى ومحمد صلوات الله عليهما به، فعيسى (ع) احتج بنص الأنبياء السابقين عليه رغم عدم مباشرتهم له ومحمد (ص) كما في القرآن احتج بنص عيسى (ع) عليه ونص الأنبياء قبل عيسى (ع) عليه قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف : 6]))

((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157]))

والله بين في القرآن أن ادعاء محمد (ص) لو كان باطلا – وحاشاه – لما تركه يدعيه لأن الله متكفل بحفظ النص وصونه من ادعاء المبطلين أو يمكن أن نقول إن الله متكفل بصرفهم عن النص (( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52 )) [ الحاقة].

المصدر: كتاب الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال – السيد أحمد الحسن (ع)