لا إشكال في وجوب الخمس، وهو فريضة إلهية كوجوب الصلاة والصيام والحج وسائر الفرائض الإلهية الأخرى.
قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ …﴾ الأنفال : 41.

وليس بوسع أحد صرف الآية إلى غنائم الحرب فقط * ، إذ عدل القرآن وترجمانه لديهم القول الفصل في ذلك، وقد قالوا (ع) بشمول الغنيمة لكل ما يكسبه الإنسان ويغنمه من فوائد،

فقد ورد في صحيحة علي بن مهزيار عن الإمام الجواد (ع): (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم) الآية، فالغنائم والفوائد – يرحمك الله – فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها) [الاستبصار – الشيخ الطوسي : ج2 ص60 ص12].
وفي الرضوي: (وقال جل وعلا: (واعلموا أنما غنمتم) الآية، فتطوّل بذلك علينا امتناناً منه ورحمة ….. وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الذي لم يختلف فيه، وما ادعي فيه الرخصة، وهو ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة) [فقه الرضا : ص293، وعنه : مستند الشيعة – النراقي : ج10 ص10].
وقال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ [التوبة : 103]، فالآية في الخمس أيضاً، والصلاة عليهم: أي الدعاء لهم.
فقد كتب الإمام أبو جعفر الجواد (ع) إلى علي بن مهزيار، وكان مما كتب له: (… إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك وأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من الخمس، قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ…﴾) [الاستبصار- الشيخ الطوسي : ج2 ص60 ص12].
فالخمس إذن يخص الإمام المعصوم (ع) والحجة على الخلق في كل زمان وهم أوصياؤه لهم أن يضعوه حيث يشاءون.
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع)، قال: (على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصة، يضعونه حيث شاءوا، وحرم عليهم الصدقة، حتى الخياط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة) [وسائل الشيعة (الإسلامية) : ج6 ص351 ح8].

فللمعصوم (ع) وضع الخمس حيث شاء، وله أيضاً تحليل من شاء منه بعد أن كان حقه المفروض من الله على عباده، وهذا ما أوضحته نصوص كثيرة لست بصدد استقصائها وذكرها،

وأكتفي بنقل ما ورد في نص التوقيع الشريف الصادر من الإمام المهدي (ع) لإسحاق بن يعقوب عن طريق السفير الثاني محمد بن عثمان العمري، إذ ورد فيه : ( … وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران. وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث …) [كمال الدين وتمام النعمة: ص485].
ومنه يعرف أن جناية التلبس واستحلال فقهاء الضلالة لأموال آل محمد (ع) واضحة للعيان جداً فكيف ستكون المصيبة إذن إذا علم الإنسان أنهم يقاتلون إمامهم المغيب بمحاربتهم لدعوته التي ابتدأت بإرساله لوصيه ويمانيه أحمد الحسن، وبأمواله التي استحلوها ظلماً ؟!!
على أنّ لصاحب الخمس موقفاً يوم القيامة يطالب فيه بحقه، وسيكون يوماً شديداً على الجاحدين والمانعين صاحب الحق حقه الإلهي، فما بالك بالآكل له عدواناً !! عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، قال: (إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكو ولادتهم) [الكافي : ج1 ص547 ح20].
وينبغي للمؤمن الالتفات إلى أن إعطاء الخمس لأهله المعينين نفع يعود على المؤمن نفسه دون من سواه، فمَنْ من المؤمنين مستغنٍ عن التطهير والتزكية – بنص الكتاب – الحاصلة بأخذ الإمام منه الخمس، فله سبحانه الفضل الكبير ولهم صلوات ربي عليهم المنّة علينا.
عن أبي عبد الله (ع): (من زعم أن الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال الله عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾) [الكافي : ج1 ص537 ح1].
وما لوحظ من قبيح صنيع وكلاء مرجعية فقهاء آخر الزمان التي لا تكاد تخفى على أحد لحري بالتأمل، ورغم أنّ أسباب خيانتهم لدين الله كثيرة والجريمة كبيرة لا تحيط بها أسطر هذه الرسالة المختصرة والمعقودة لتوضيح مهمات مسائل الخمس، إلا أني أنبه من يخاف الله وأؤشر له على أحد أسباب التحلل الأخلاقي في مكاتب المرجعية ووكلائها وبعض أتباعهم، وهو بكل وضوح أكل مال الخمس بلا وجه حق.
عن ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبد الله (ع): (من أين دخل على الناس الزنا ؟ قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلا شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم لميلادهم) [الكافي: ج1 ص546 ح16].
والحمد لله رب العالمين على نعمة الهداية والولاية.
___________________________

* كما حاول أهل السنة ذلك، ولكنهم في ذات الوقت يروون عن رسول الله (ص) في الصحيح أن الخمس واجب في كل مغنم، يقول ابن كثير : (ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في حديث وفد عبد القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : ” وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله – ثم قال – هل تدرون ما الإيمان بالله ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم “. الحديث بطوله فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان، وقد بوب البخاري على ذلك في كتاب الإيمان من صحيحه فقال ” باب أداء الخمس من الإيمان “) تفسير ابن كثير : ج2 ص325.
وللمنصف أن يتتبع ما فعله قادتهم وسلفهم (الصالح!!) مثل عثمان في الخمس تحديداً، ويكفيه وقاحة أنه أعطى خمس أرمينيا لمروان ابن الحكم، وهو صنيع من لا يفقه حرفاً من كتاب الله كما لا يخفى.

المصدر: كتاب رسالة في فقه الخمس وما يلحق به – إعداد الشيخ علاء السالم