في الكتاب المقدس هناك الحكمة والعلم والدعوة إلى الله، وبيان أنّ دعاة الشيطان يتكلمون بالسفه، بينما دعاة الله يتكلمون بالحكمة، وقد جاء محمد (صلى الله عليه وآله) بالحكمة والعلم.

قال عيسى (عليه السلام) :
«…وكان يخرج شيطاناً وكان ذلك أخرس. فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس. فتعجب الجموع. 15 وأما قوم منهم فقالوا ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين. 16 وآخرون طلبوا منه آية من السماء يجربونه. 17 فعلم أفكارهم وقال لهم كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وبيت منقسم على بيت يسقط. 18 فإن كان الشيطان أيضاً ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته …» [الأصحاح الحادي عشر – إنجيل لوقا].

فمن يؤمنون بالإنجيل ليقرأوا نصوصاً من القرآن ويتدبروها بإنصاف، ثم على ضوء النص الإنجيلي السابق؛ هل يمكنهم اعتبار هذه النصوص شيطانية كما يفعل الموتورون الذين لا همَّ لهم إلا سبّ محمد؟

وهذه أمثلة من النصوص القرآنية:
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125].
﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾ [النساء: 36].
﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18].
﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 23].

فليقرأوا هذه الآيات من سورة الإسراء ويسألوا أنفسهم:
هل الشيطان يدعو لعبادة الله وحده؟
هل الشيطان يدعو لمكارم الأخلاق، والإحسان للوالدين وللفقراء، وإنفاق المال ومساعدة من يحتاج للمساعدة، وينهى عن القتل، وعن الزنا، وعن الاعتداء على مال اليتيم، ويأمر بالإيفاء بالوعد، والإيفاء بالكيل؟
وإذا كان الشيطان يأمر بهذه الأخلاق الطيبة فالله سبحانه وتعالى يأمر بماذا عندهم؟
أليست هذه هي وصايا كل الأنبياء وحكمتهم التي جاءوا بها من عند الله:
﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً * وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً * وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً * وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً * وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً * وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً * وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً * وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً * وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً * وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً﴾ [الإسراء: 22 – 39].

عيسى (عليه السلام) قال:
«كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وبيت منقسم على بيت يسقط. 18 فإن كان الشيطان أيضاً ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته».
أليس المفروض بالمسيحيين أنْ يجعلوا هذا القول مقياساً يقايسون به ما جاء في القرآن ليعلموا أنه من عند الله.
أليس هذا هو قياس عيسى (عليه السلام)، فلماذا الإعراض عنه؟! اللهم إلا الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه؟

القرآن مليء بالحكمة والدعوة إلى الخير وإلى التحلي بالأخلاق الطيبة الكريمة، فكيف يكون من الشيطان السفيه الذي يدعو إلى الشر وإلى الأخلاق الذميمة، هل الشيطان منقسم على نفسه؟ هل مملكة الشيطان منقسمة على نفسها؟
أليس هكذا يميز الشيطان بأنه يدعو لإقامة مملكته وليس لهدمها.
أعتقد أنّ الناس – لو أرادوا – فهم قادرون على التمييز بين الحكمة والسفه، بين الخير والشر، بين الأخلاق الطيبة وبين الأخلاق الذميمة.
ومملكة الشيطان غير منقسمة على نفسها، فلا تدعو للخير بل للشر؟ ولا تدعو للأخلاق الكريمة بل للأخلاق الذميمة؟
«كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وبيت منقسم على بيت يسقط. 18 فإن كان الشيطان أيضاً ينقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته».

ثم فلننظر إلى التصحيح العقائدي الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) وأوصياؤه من بعده، والعودة للتوحيد ونقض عقيدة الثالوث، وقد بيّنت كيف أنّ هذه العقيدة باطلة وغير صحيحة من نفس الإنجيل، ومن يأتي بالحق أحق أنْ يتبع فمن أبطل عقيدة الكنيسة ومن الكتاب المقدس بصورة لا لبس فيها أحق أنْ يتبع

[بيّنت بطلان عقيدة ألوهية عيسى المطلقة عقلاً، وكذا بيّنت بطلانها في كتاب التوحيد من نفس نصوص الإنجيل

(فصل الخطاب من الإنجيل: عيسى سلام الله عليه يجهل الساعة:
عيسى يقول عن نفسه إنه يجهل الساعة التي تكون فيها القيامة الصغرى:
“وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب” [مرقس 13]،
والجهل نقص بينما اللاهوت المطلق كامل مطلق لا يعتريه نقص أو جهل؛ لأنه نور لا ظلمة فيه فالجهل يعتري المخلوق لوجود الظلمة في صفحة وجوده.
إذن، عيسى (عليه السلام) نور وظلمة وهذا يثبت المطلوب أن عيسى ليس لاهوتاً مطلقاً، بل عبد مخلوق من ظلمة ونور، وليس نوراً لا ظلمة فيه، تعالى الله علواً كبيراً.
وفي هذا فصل الخطاب وبيان وموعظة لأولي الألباب،
وهذا نص كلام عيسى (عليه السلام) كما جاء في إنجيل مرقس:
“وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب. 33 أنظروا. إسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت. 34 كأنما إنسان مسافر ترك بيته وأعطى عبيده السلطان ولكل واحد عمله وأوصى البواب أن يسهر. 35 اسهروا إذاً. لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً. 36 لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً. 37 وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا” [مرقس 13]) كتاب التوحيد،

ومن يطلب تفصيلاً أكثر يمكنه الرجوع إلى كتاب التوحيد].

وأيّ منصف يقرأ القرآن بتجرّد يجد أنّ العلم والحكمة التي جاء بها محمد في القرآن حكمة بالغة لا يمكن أنْ تكون إلا منه سبحانه.

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)