الإشكال الأول: إنه لو جاز السهو والنسيان على خليفة الله؛ لجاز أنْ ينسى ويسهو في تبليغ الشرع، وبهذا نقض للغرض من بعثه.

الرد:الحقيقة لا ملازمة بين الأمرين هنا، فالمسألة: إنّ المعصوم يعصم عن السهو والنسيان في أمور ولا يعصم في أخرى؛ لأننا قد بيَّنا أنه يعصم بمذكر خارجي. نعم، الملازمة تكون لو كان خليفة الله لا يسهو ولا ينسى بذاته لا بعاصم خارجي، في حين أننا قد بيَّنا بطلان القول بالعصمة الذاتية من السهو والنسيان، وأنها توافق قول الغلاة، وأنها تعني بالنتيجة تعدد اللاهوت المطلق وهذا باطل.

الإشكال الثاني: إنه لو جاز على خليفة الله السهو والنسيان لنفرت الناس عنه وفي هذا نقض للغرض من بعثه وهو هداية الناس.

الرد: لا يصح أنْ يستدل مسلم فضلاً عمن يدّعي أنه عالم بنفور الناس لجهلهم ويعتبره نقضاً للغرض؛ لأنه بحسب هذه القاعدة العبثية يمكن أنْ ينقض الإسلام، وكمثال على ذلك فالله أمر الرسول قبل الهجرة وهو في مكة أنْ تكون قبلة المسلمين بيت المقدس في الشام، وهذا فيه تنفير للأحناف؛ حيث إنّ قبلتهم الكعبة، فكيف يأتيهم محمد )صلى الله عليه وآله( ويقول لهم اتركوا قبلتكم التي تسجدون وتحجون لها، وتوجهوا في صلاتكم إلى قبلة اليهود؟ أليس في هذا تنفير واضح؟ وعلى حسب القاعدة التي وضعوها أنّ تنفير الناس عن دين الله ينقض الغرض، فيكون الله قد نقض الغرض أو يكون الإسلام ليس ديناً إلهياً. بل الأمر لم يتوقف هنا حيث لما هاجر محمد إلى المدينة وحيث اليهود وقبلتهم بيت المقدس بدلت قبلة الإسلام وأصبحت الكعبة، ليكون هذا أيضاً منفراً لليهود عن دخول دين جديد يتخذ قبلة أخرى غير قبلتهم. وعلى القاعدة المتقدمة أيضاً يكون الله هنا قد نفر الناس وصدهم عن الإيمان ونقض الغرض من بعث محمد (صلى الله عليه وآله)، بينما الحقيقة إنّ نفور الناس من الحق بسبب جهلهم به ليس نقضاً للغرض بحال، وهذا بغض النظر عن أن نفس مسألة اتخاذ قبلتين وتبديل القبلة يمكن أنْ يعتبرها بعضهم أيضاً منفرة، بل وحتى يطعن برسالة الرسول ويعتبره متردداً ويجهل القبلة الصحيحة… وهكذا يمكن أنْ يذهب باستنتاجات واستحسانات ويدّعي نقض رسالة الرسول.

الإشكال الثالث: إنه لو جاز على خليفة الله السهو والنسيان في الصلاة كما روي أنّ رسول الله سهى في صلاته فنقص وزاد في الركعات؛ لكان غير خاشع في صلاته، وهذا أمر قبيح لا يصدر عن خليفة الله في أرضه.

الرد:وهذا الإشكال يفترض أنّ من يغفل عن عدد الركعات غير خاشع في صلاته وغير متوجه إلى الله سبحانه وتعالى لا غير، وهذا غير صحيح على إطلاقه؛ حيث إنّ العبد لو توجه إلى الله بخشوع وانقطاع يمكن أنْ يغفل بالله وبالخشوع بين يدي الله عن حساب عدد ركعات صلاته، فكما أنه يمكن أنْ يغفل بالتفكير بأمور الدنيا عن عدد ركعات صلاته، كذلك يمكن للبكاء بين يدي الله أنْ يجعله يغفل عن حساب عدد ركعات صلاته، فالأمر إذن لا يمكن حصره بعدم الخشوع وعدم التوجه إلى الله، ليكون السهو والنسيان في الصلاة دليل عدم الخشوع، وبالتالي ينفى السهو عن خليفة الله بهذه الحجة الواهية.

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)