الرؤيا في دين الله سبحانه وتعالى تمثّل طريقاً للوحي، والرؤيا تنقسم إلى: رؤيا في النوم ورؤيا في اليقظة، أو كما تسمّى عرفاً عند الناس بالكشف في اليقظة (أو الوحي)، أي بمعنى أنّ الإنسان كشف عنه الغطاء فأصبح يرى ما لا يراه الناس، وكلاهما تمثلان عملية تواصل بين الإنسان والعوالم العلوية، ووحي الأنبياء يتم بهذين الطريقين، فهو إما رؤيا في النوم أو رؤيا في اليقظة.

يبقى أنّ المقابل في الرؤيا يحدد شأن الرؤيا، فالرؤيا يمكن أنْ تكون وحياً مباشراً من الله من وراء حجاب، أو تكون وحياً من رسول يرسله الله، ويمكن أنْ يكون هذا الرسول ملك عظيم كجبرائيل أو أحد ملائكة الرؤيا، أو يكون من أرواح الأنبياء السابقين (عليهم السلام). كما أنّ ماهية الرؤيا تحدد هل إنّ هذه الرؤيا وحي تبليغي كما هو حال الأنبياء والأوصياء، أم أنها شهادة إلهية عند الإنسان كما هو حال المكلفين بالإيمان بالأنبياء والرسل عندما يشهد لهم الله سبحانه وتعالى، أو إخبار بأمر غيبي يحدث بعد حين كما هو حال الأنبياء وغير الأنبياء.

فمحاولة بعض السفهاء الاستخفاف بالرؤيا التي يشهد بها الله لخليفته في أرضه، هي إنكار لوحي الله وجحود لشهادة الله سبحانه وتعالى، بل هي كفر بالقرآن الذي عرض الله فيه نفسه كشاهد لكل الناس، وهل هناك وسيلة اتصال بين الله وبين كل الناس أوضح من الرؤيا التي يستهزئ بها هؤلاء السفهاء؟!!!

فالرؤيا التي تشهد لخليفة الله في أرضه عبارة عن كلام الله ووحي الله وشهادة الله ونص الله، فمن يستخف بنص الله وبشهادة الله ووحي الله لأجل أنْ يرضي هواه ماذا يمكن أنْ يوصف؟! غير أنه – في الحقيقة – كافر بالله، وأنّ ما يدّعيه من إيمان هو مجرد إيمان ظاهري، وإلا فهل من يستخف بكلام إنسان ويستهزئ به يمكن وصفه بأنه مؤمن بهذا الإنسان أو على الأقل يحترمه؟! أم أنه كافر به ومستخف به ولهذا يسخر من كلامه، كذا مَنْ يسخرون مِنَ الرؤيا التي تكون شهادة الله لخليفته في أرضه؛ فهم يسخرون من كلام الله سبحانه وتعالى الذي أوحاه لعباده بالرؤيا مباشرة منه سبحانه أو بتوسط الملائكة والأرواح. وبهذا فحقائق هؤلاء وأرواحهم كافرة بالله، لذا لا يجدون حرجاً من الاستهزاء بكلام الله والضحك عليه من على المنابر وأمام الناس، وللأسف فمن لا ينكر عليهم فهو منهم ومؤمن بباطلهم، ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [العنكبوت: 52].

إذا كانت شهادة الله لخليفته عند عباده بالوحي في الرؤيا، فمن يكون الباطل في الآية المقابل لشهادة الله ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً…. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ…﴾؟! أليس واضح أن الباطل هم هؤلاء الذين يسخرون من الرؤيا، وبالتالي يسخرون من شهادة الله؟!

فاقرأوا وصف الله لمن يسمع لهم ويقبل قولهم واستهزاءهم بالرؤيا التي تكون شهادة الله لخليفته في أرضه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.

ثم تدبّروا آيات الله قبل هذه الآية في سورة العنكبوت: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[العنكبوت: 50 – 52]. فقهاء الضلال الذين يواجهون الأنبياء دائماً يقولون نفس القول: لا نؤمن إلا بالمعجزة المادية، بل ويريدونها قاهرة وكل منهم يريد رؤيتها بعينه، ولا يقبل شهادة المؤمنين الذين رأوها، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾.

والرد القرآني هو: ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾، أي أنّ الآيات ينزلها الله عندما يريد ومتى يريد وبالكيفية التي يريد والتي توافق الحكمة والعدالة، بحيث لا تقهر أحداً على الإيمان، فإذا كانت قاهرة كانت للمؤمنين، وبالتالي لم تكن قاهرة لهم على الإيمان وإنما تزيدهم يقيناً وثباتاً على الحق، فهم مؤمنون أصلاً. وإذا كانت لغير المؤمنين أو للكفار والجاحدين كانت من الآيات التي يمكن تأويلها لتبقي مساحة للإيمان بالغيب، ﴿فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾[القصص: 48].

﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: أي لماذا هم يطلبون آيات، ألا يكفيهم كتاب الله والعلم والحكمة التي جئتهم بها يا محمد (صلى الله عليه وآله)، والتي أنزلها الله رحمة بهم لعلهم يتذكرون؟!!

﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾: أي أنّ كل ما تقدم من طلبكم للآية المعجزة المادية القاهرة ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾، وكذا الآية العلمية التي أعطاكم الله لرحمته بكم ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ إنما هي زائدة على ما جاءكم به المرسل من الأساس وفي البدء؛ وهو شهادة الله له عندكم بالوحي في الرؤيا والكشف ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً﴾، الله الشاهد على كل شيء وعلى أعمال العباد هو الشاهد لكم، الله الذي يعلم ما في السماوات والأرض، وليس للشيطان أي سلطان على ملكوته لكي يوهمكم السفهاء أنّ هذه الرؤى الملكوتية من الشيطان، ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.

انتبهوا أيها الناس؛ الرؤى من الملكوت ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾[الأنعام: 75]، والملكوت ملكوت الله ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[المؤمنون: 88]، وليس للشيطان تسلط على ملكوت الله ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[يس: 83].

فلا يخدعكم الباطل وإنْ تشبَّه برسول الله (صلى الله عليه وآله) وارتقى منبر الرسول (صلى الله عليه وآله) أو منبر الحسين (عليه السلام)، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾. ألم يخبركم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) أنهم سينزون على منبره كالقرود؟ فإذا كانوا قد نزوا على منبر محمد (صلى الله عليه وآله) وهو خير خلق الله كالقرود، هل تظنون أنهم لا ينزون اليوم على منبر الحسين (عليه السلام) كالقرود ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾[الإسراء: 60]. لقد أفتوا بضلال الحسين (عليه السلام) من على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وضللوا الناس وجعلوهم يقاتلون الحسين (عليه السلام)، فهل تظنون أن نظراءهم اليوم لا يفتون بضلال المهدي (عليه السلام) من على منبر الحسين (عليه السلام)، ويضللون الناس ويجعلونهم يقاتلون المهدي؟ انتبهوا يرحمكم الله، انتبهوا واقرأوا وتعلموا ولا تتركوا أحداً يخدعكم وتعاد الكرة مرة أخرى.

هلا انتبهتم أين يتاه بكم، وإلى أين يريد أنْ يقودكم هؤلاء السفهاء الذين يخبطون خبط العشواء ويسفهون الرؤى ويسفهون ملكوت السماوات، هلا انتبهتم وقلتم لهم: هذا القرآن بين أيدينا والله يقول فيه إنه يشهد لخليفته عند الناس وينص عليه: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾، فكيف تكون شهادة الله لعامة الناس مؤمنهم وكافرهم صالحهم وطالحهم أليس بالوحي، وأي طريق للوحي مفتوح بين الله وبين عامة الناس غير الرؤيا؟!!!