بما أن الكلام في العقائد، والظن لا يغني عن الحق شيئًا، قال تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ يونس: 36، فلا بد من اليقين في العقائد.

وأن أصل الوجوب في التقليد هو من المسائل العقائدية، ومع ذلك فإن بعض الفقهاء وعلماء الأصول يحاولون إخفاء هذه الحقيقة على الناس

وعلى أي حال فبما أن أصل وجوب التقليد لا يمكن أن يثبت بالتقليد، بل هم يقولون إنها مسألة اجتهادية فلا بد من دليل قطعي !

وأما من ينكرون كون أصل وجوب التقليد عقيدة وينكرون وجوب الدليل القطعي.
فنقول: كيف تفتون الناس إذاً بوجوب التقليد في مقدمات رسالاتكم العملية التي فيها الأحكام الفقهية ؟!

– يقول الشيخ محمد حسن القديري (1): (… ومما ذكرنا يظهر أن جواز التقليد أيضاً لابد وأن يثبت بدليل قطعي غير التقليد للزوم الدور أو التسلسل فلابد من الاجتهاد فيه. فتحصل أن المكلف لابد وأن يستند في عمله إلى حجة ثبتت حجيتها بدليل قطعي، وهي إما في نفس المورد وإما الاحتياط الذي ثبتت حجيته بدليل قطعي، وهي إما في نفس المورد وإما الاحتياط الذي ثبتت حجيته بالاجتهاد أو التقليد، أو التقليد الذي ثبتت حجيته بالاجتهاد، فالأساس هو الاجتهاد في مقام العمل) البحث في رسالات عشر: ص391.
– يقول السيد الخوئي: (… إذ لا يجوز – لدى العقل – الاعتماد على غير ما علم بحجيته حيث يحتمل معه العقاب. وعلى هذا يترتب أن العامي لابد في استناده إلى فتوى المجتهد أن يكون قاطعاً بحجيتها في حقه أو يعتمد في ذلك على ما يقطع بحجيته، ولا يسوغ له أن يستند في تقليده على مالا يعلم بحجيته، إذ معه يحتمل العقاب على أفعاله وتروكه ….) كتاب الاجتهاد والتقليد: ص83 – 84. وقال أيضاً: (إن حجية أي حجة لابد من أن تنتهي إلى العلم) الاجتهاد والتقليد: ص91.

علماء الأصول يشترطون في الدليل القطعي أحد هذه الأمور:

– إما دليل عقلي تام.
– أو دليل نقلي تام أي: آية قرآنية محكمة ظاهرة الدلالة وبينة المعنى.
– أو رواية قطعية الصدور قطعية الدلالة أي متواترة، أو محفوفة بالقرائن القطعية.

وأما روايات الآحاد فممنوع الاعتماد عليها في الاعتقاد عندهم، و (قد نص علماء الإسلام بأن العقائد لا تثبت بخبر الواحد وإن كان صحيحاً ومتعدداً، ما لم يبلغ حد التواتر) كما يقول السيد محمد صادق الصدر في كتاب تاريخ ما بعد الظهور ص 635.

وكل هذه الأمور مفقودة هنا لإثبات هذه البدعة “بدعة وجوب تقليد غير المعصوم”،
فلا يوجد آية من القرآن دالة على وجوب التقليد لغير المعصوم،
وكذلك ليس لديهم رواية آحاد (مع أنها لا تفيد العلم) فضلاً عن المتواترة فكل ما يطرحونه ضعيف السند أو مرسل كما أنها لا تسعفهم للاستدلال بها؛ لأنها لا ظهور لها في “وجوب تقليد غير المعصوم”،
وأما الاستدلال العقلي فهو أيضاً غير تام بل هو ضدهم كما سيتبين بفضل الله، وسنأتي إن شاء الله على أنواع استدلالاتهم كلها لنبين بطلانها ولإسقاط هذا الصنم الذي يعبد من دون الله.

وربما تكون هناك فائدة أن نبدأ بالمشهور عند عامة الناس – إيهامًا وخداعًا من الفقهاء وخطباء المنابر للبسطاء – على أنه دليل على وجوب التقليد ثم نعرج في فقرات نخصص كل واحدة منها لتفصيل المناقشة للأدلة المطروحة وبيان بطلانها.

المشهور بين عامة الناس أنه دليل على وجوب التقليد، وهو لا يعدو غالبًا أحد أمور ثلاثة سنرد عليها هنا باختصار ثم بعدها سنفصل إن شاء الله النقاش في الاستدلال بالآيات والروايات ونتبعه بنقاش باقي استدلالات الفقهاء.:

1- رواية (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه) وسائل الشيعة: ج27 ص131.

الرد: ظاهر الرواية في الجواز وليس الوجوب، وأما الترخيص ففي قبول الرواية عن المعصوم عليه السلام وهو غير تقليد رأي وفتوى المجتهد … مع أنها ضعيفة السند بل مرسلة عندهم فلا تصلح للاحتجاج.

2- توقيع العمري (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) وسائل الشيعة: ج27 ص140.

الرد: التوقيع لا يدل على أكثر من الإرجاع إلى السفراء الذين هم (رواة حديثهم ) في الغيبة الصغرى وقد صدر في زمن السفير الثاني،
ولو كان أمر بالإرجاع إلى مطلق رواة الحديث لكان صدر في زمن السفير الرابع … مضافًا إلى كون التوقيع عندهم أيضًا ضعيف السند ..
ولو كان هذا التوقيع عاماً برواة الحديث وليس خاصاً بالسفراء فهل أشرك الشيعة في وقت السفراء معهم رواة حديث غير منصبين سفراء ليأخذوا منهم أحكام الحوادث الواقعة ؟؟
والجواب: إن هذا الأمر لم يقع ولم يكن مرخص للشيعة قبول الأحكام في الحوادث الواقعة من غير السفراء الذين هم حجة الإمام المهدي عليه لسلام على الناس وهذا الدليل يصرف كون وصف الرواة واقع في العموم ويجعله في الخصوص.

3- الفقهاء هم أهل الاختصاص والعوام لا يعرفون الأحكام الشرعية فيجب عليهم الرجوع إلى الفقهاء كما يرجع المريض إلى الطبيب.

الرد: أما الرجوع إلى أهل الاختصاص أو رجوع الجاهل إلى العالم فلا إشكال في هذه القاعدة العقلية ولكن الإشكال في إسقاط مفهوم العالم على المجتهد غير المعصوم والذي ليس عالماً مطلقًا .
فمن يطبق القاعدة على من يحتمل فيه أن يخرجه من حق ويدخله في باطل (المجتهد غير المعصوم) يكون قد جعل نفسه ومصيره الأخروي في يد من يمكن أن يهلكه والله سبحانه وتعالى لا يقبل في دينه إلا اليقين مئة بالمئة.