للتوضيح والتفصيل أكثر أقول إن مدعي المنصب الإلهي:

إما أن يكون مدعياً للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به فهذا المدع محق ولا يمكن أن يكون كاذباً أو مبطلاً لان هذا النص لابد من حفظه من ادعاء الكاذبين والمبطلين وإلا فسيكون الله قد أمر الناس بالتمسك بما يمكن أن يضلهم ورغم هذا قال عنه بأنه عاصم من الضلال أبدا وهذا كذب يستحيل أن يصدر من الله.

وإما أن يكون مدعياً للمنصب الإلهي ولكنه غير مدع للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به وهذا المدعي إما أن يكون ادعاؤه فيه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور وهذا ربما يمضي الله به الآية ويهلكه رحمة بالعباد وإن كان بعد ادعائه بفترة من الزمن رغم انه لا حجة ولا عذر لمن يتبعه،
وإما انه لا يحتمل أن يشتبه به احد إلا إن كان طالبا للباطل فيتبع شخصاً بدون نص تشخيصي كما بينت، ومع هذا تصدر منه سفاهات كثيرة ويجعل الله باطله واضحاً وبيناً للناس وهذا لا داعي أن تطبق عليه الآية بل ربما أمهل فترة طويلة من الزمن فهو يترك لمن يطلبون الباطل بسفاهة.

وهذا تقريب ليتوضح الأمر أكثر:

نفرض أن هناك ثلاث دوائر بيضاء ورمادية وسوداء

فالدائرة البيضاء محمية من آن يدخل لها كاذب وبالتالي فكل من دخلها فهو مدع صادق ويجب تصديقه فالآية (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) واجبة التطبيق في هذه الدائرة ،
والرمادية غير محمية من أن يدخل لها الكاذب فلا يصح الاعتماد على من كان فيها وتصديقه ورغم هذا فيمكن أن تحمى بعض الأحيان من الكاذب بعد دخوله رحمة بالعباد رغم أنهم لا عذر لهم بإتباع من كان في هذه الدائرة فالآية ممكنة التطبيق على هذه الدائرة وليس واجبة التطبيق،
والثالثة سوداء غير محمية من أن يدخل لها الكاذب بل هي دائرة الكاذبين وواضحة بأنها دائرة الكاذبين فلا داع لحمايتها أصلا من الكاذبين لا قبل دخولهم ولا بعد دخولهم فالآية ليس موضعها هذه الدائرة.

فلابد إذن من الانتباه إلى أن كلامنا في منع ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال وليس في ادعاء المنصب الإلهي عموما، فادعاء المنصب الإلهي أو النبوة أو خلافة الله في أرضه باطلا بسفاهة ودون الاحتجاج بالوصية (النص التشخيصي) حصل كثيرا وربما بقي حيا من ادعى باطلا فترة من الزمن ومثال لهؤلاء مسيلمة الكذاب ادعى انه نبي في حياة رسول الله محمد (ص) وبقي مسيلمة حيا بعد موت رسول الله محمد (ص) فالادعاء بدون شهادة الله ونص الله وبدون الوصية لا قيمة له وهو ادعاء سفيه فمن يصدق هكذا مدع مبطل لا عذر له أمام الله،
إذن فالمقصود ليس منع أهل الباطل من الادعاء مطلقا بل منعهم من ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم لمن تمسك به من الضلال وهو وصية خليفة الله للناس وهذا المنع الذي أثبتناه عقلا وأكد عليه النص القرآني والروائي يؤكده أيضا الواقع فمرور مئات السنين على النص دون أن يدعيه احد كاف لإثبات هذه الحقيقة فقد مر على وصايا الأنبياء في التوراة ووصية عيسى (ع) مئات السنين ولم يدعِها غير محمد (ص) وأوصيائه من بعده كما ولم يدعِ وصية النبي غير الأئمة (ع)

المصدر: كتاب الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال – السيد أحمد الحسن (ع)