الصفة الأولى له سبحانه وتعالى – أي لكنهه وحقيقته (هو) – هي اللاهوت المطلق، فبما أنّ علة الخلق هي المعرفة، وبما أنّ المعرفة بالنسبة للناقص منحصرة بتحصيل الكمال؛ كان حتماً أنْ يتجلى لهم سبحانه بالكمال المطلق أو اللاهوت المطلق ليتحقق المطلوب وهو المعرفة، واسم “الله” الذي يطلق على اللاهوت المطلق مشتق، ووجه اختصاصه بالذات الإلهية هو الاستعمال مثله مثل اسم “الرحمن”.

[يعني كلمة “الله” مجردة من أي قيد أصبحت تستعمل للذات الإلهية فقط، ولكن لو جاءت في سياق كلام لا يمكن معه صرفها للذات الإلهية فهي تعود لأصلها باعتبارها اسماً مشتقاً وصفة، فلا يمكن مثلاً أن نفهم من جملة “رأيت الله يمشي” أن المراد هنا الله سبحانه وتعالى، كما لا يمكن قبول أن المراد من قوله تعالى: “هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ” [البقرة: 210] بأن المراد هنا هو الله سبحانه وتعالى؛ لأنه مقيد هنا بالإتيان وفي ظلل من الغمام، وتعالى الله عن هذه الأوصاف التجسيمية، بل هو سبحانه منزه عن أي حد].

ولهذه الصفة أو هذا الاسم صفات هي في الحقيقة الكمالات التي ندرك شيئاً منها لتجليها فينا ولتجليها لنا بمن هم أعلى منا، ولأنها كمال وغنى مطلق في مقابل نقصنا وفقرنا،
وهذه الصفات تتجلى في الإنسان؛ لأنه مخلوق على صورة الله، أي أنّ الإنسان هو تجلي اللاهوت في الخلق، وفطرة الإنسان تؤهله لأنْ يكون الله في الخلق،

قال (صلى الله عليه وآله) :
«الله خلق آدم على صورته» [الكافي – الكليني: ج1 ص134].

وفي العهد القديم:
«26 وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا» [التوراة: سفر التكوين – الأصحاح الأول]،
«فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه» [التوراة: سفر التكوين – الأصحاح الأول].

وهذه الصورة هي صورة مخلوقة والمقصود بها محمد (صلى الله عليه وآله) تجلي اللاهوت في الخلق والإنسان الأول البرزخ بين اللاهوت والخلق.

«عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَمَّا يَرْوُونَ أَنَّ اللَّه خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِه فَقَالَ: هِيَ صُورَةٌ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ واصْطَفَاهَا اللَّه واخْتَارَهَا عَلَى سَائِرِ الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ فَأَضَافَهَا إِلَى نَفْسِه كَمَا أَضَافَ الْكَعْبَةَ إِلَى نَفْسِه والرُّوحَ إِلَى نَفْسِه فَقَالَ “بَيْتِيَ” “ونَفَخْتُ فِيه مِنْ رُوحِي”» [الكافي – الكليني: ج1 ص134].

فصفات اللاهوت: الرحمة، العلم، القدرة، الحياة، القيومية …. الخ، عندما ننسبها له سبحانه فمرادنا أنها مطلقة، أي رحمة مطلقة وعلم مطلق وقدرة مطلقة … الخ، فلا توجد قيود أو حدود ذاتية أو خارجية لهذه الصفات، ومعرفتنا لها بقدر توجهنا له سبحانه وتجليها فينا.

وهي فينا لا يمكن أنْ تكون مطلقة، بل مقيدة بنقصنا وحاجتنا وفقرنا (بظلمتنا)، فحياتنا منه سبحانه وقائمة به، ورحمتنا مهما بلغت فهي غير تامة ومقيدة بنقصنا، وعلمنا وقدرتنا مقيد بفقرنا وبالحاجة إليه سبحانه.

فالإنسان حي يحمل الموت والفناء (الظلمة)، والله سبحانه وتعالى حي لا يحمل الموت (الظلمة)، فهو حي لا يموت؛ لأنه نور لا ظلمة فيه.
والإنسان يعلم ويجهل؛ لأنه مشوب بالظلمة، والله يعلم ولا يجهل؛ لأنه نور لا ظلمة فيه.
والإنسان قادر على أمور ويعجز عن أخرى، والله قادر لا يعجز؛ لأنه نور لا ظلمة فيه.

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)