ان الدين الإلهي عموما و الإسلام دين إلهي كما تعلمون، قائم على الايمان بوجود إله.
و هذا الإله – الله سبحانه – هو مالك الملك؛ فالله سبحانه هو مالك الأرض و من عليها، و له الحاكمية المطلقة في ملكه.
و لتنتقل الحاكمية في ملكه لغيره لا بد من أن يستخلف شخصا بعينه يدل عليه، فمن تطفل و نصب نفسه أو نصب غيره يكون غاصبا لخلافة الله و ظالما معتديا على ملك الله سبحانه و دون إذنه.
و نحن نجد ان سنة الله أنه قد نصب فيما مضى قبل الرسول محمد صلى الله عليه وآله خلفاء له في أرضه و نصب رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، و حتما لم يترك الله الناس دون نصب خليفة لهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كما نص سبحانه و تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد:7
أما من يقول بتخلف السنة الالهية بعد الرسول محمد صلى الله عليه وآله فعليه نقض الاستدلال على ان الملك لله لا يجوز ركوبه الا باذنه و بنص تشخيصي، ثم الإتيان بالدليل القطعي على تخلف السنة الإلهية التي دامت طيلة مسيرة الدين الإلهي من آدم (ع ) الى محمد صلى الله عليه وآله.
هذا هو ببساطة شديدة ما نقوله، و هذا ما يقوله اي منطق سليم فأنت لا تستطيع التصرف بارض او عقار يملكه غيرك دون ان يوكلك و يستخلفك ذلك الشخص المالك للعقار و الا فستكون غاصبا و ظالما.
و في الإسلام هذا هو مذهب آل محمد صلوات الله عليهم فهم يقولون ان الولاية لله و لمن ولاه الله و كل من يحكم و يتحكم بالدماء بغير طريق الولاية الإلهية المباشرة فهو غاصب و قاتل تعلق برقبته الدماء التي تسفك و سيحاسب يوم القيامة.
و كما قلت فهذه هي سنة الله منذ آدم الى محمد صلى الله عليه وآله.
و القرآن ضمن قصصه ذكر آدم كخليفة الهي و منصب من الله و ذكر داوود كخليفة الهي و منصب من الله و ذكر غيرهم… و محمد صلى الله عليه وآله بالتأكيد خليفة إلهي و منصب من الله للحكم بين الناس.
و هذا الأمر أي التنصيب الإلهي مذكور أيضا في التوراة و العهد القديم الذي يؤمن به اليهود و المسيحيون، بل هذا الأمر مذكور و مؤرخ له حتى في الرقم الطينية لآبائنا في سومر و آكاد منذ آلاف السنين قبل الميلاد، و قد بينت هذا الأمر في كتاب وهم الإلحاد؛ و من سومر جاء أنبياء الله كنوح و ابراهيم و نبع الدين الإلهي.
فلا يسع أحد بعد هذا الذكر و التاريخ أن ينكر أو يتنكر لحاكمية الله الا عن جهل أو عناد فهي مسألة ذكرتها كل الأديان الإلهية في ما وصلنا منها،
فما وصلنا من دين نوح و إبراهيم صلوات الله عليهم
في ألواح سومر يذكرها،
و التوراة و العهد القديم يذكرها،
و الإنجيل أو العهد الجديد يذكرها،
و القرآن يذكرها،
و الأحاديث النبوية تذكرها.
فماذا بقي اذا؟
في الحقيقة واضح أنها سنة إلهية ثابتة بالدليل العقلي و الدليل النقلي.
طبعا المذهب السني في الإسلام يخالف هذا الأمر لأنه مذهب قام على طاعة الحاكم كيفما كان طالما أنه تسلط على الحكم ولكن مذهبهم و اعتقادهم هذا بدون دليل.
يعني هم يعتقدون ان ملك الله خرج منه سبحانه و تعالى الى كل من هب و دب دون دليل و هم يعتقدون بتخلف السنة الإلهية.
نحن نقول باختصار ان من يقول بتخلف السنة الإلهية بعد الرسول محمد صلى الله عليه وآله فعليه نقض الاستدلال بأن الولاية لله و لمن ولاه الله و بنص تشخيصي،
ثم الإتيان بالدليل القطعي على تخلف السنة الإلهية التي دامت طيلة مسيرة الدين الإلهي من آدم الى محمد صلى الله عليه وآله كما قلت.
بالحقيقة هذا مختصر لعقيدة أهل البيت بالحكم الشرعي و التي تقول بالتنصيب الإلهي و بطلان عقيدة المذهب السني في الحكم التي تقول ان الحكم لكل من هب و دب طالما انه تسلط على رقاب الناس سواء باختيارهم ام بالقوة.
المصدر: من لقاء اذاعة المنقذ العالمي من ديترويت
مع السيد أحمد الحسن (ع) – في 19/1/2016
◄ ما الفرق بين النبوة بمعناها العام والنبوة الرسالية من الله ؟
النبوة بمعناها العام أي معرفة بعض أنباء السماء لا تختص بخلفاء الله في أرضه، بل هي متاحة لكل الخلق وكل من يخلص لله فإنّ الله يمكن أنْ يفتح له باب معرفة بعض أنباء السماء، وبهذا فهو يكون نبياً بهذا المعنى أي عارف ببعض الأنباء من السماء، والنبوة بهذا المعنى حتماً متاحة لكل خلفاء الله صلوات الله عليهم؛ لأنهم سادة المخلصين لله سبحانه وتعالى، وسادة خلفاء الله بعد محمد (صلى الله عليه وآله) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فلا معنى لفهم أنّ ختم النبوة يعني أنهم (صلوات الله عليهم) لا يوحى إليهم.
إذن، فما هو ختم النبوة بعد محمد (صلى الله عليه وآله)؟
في الحقيقة إنّ النبوة الرسالية من الله هي التي ختمت بمحمد (صلى الله عليه وآله)، وسبب هذا الختم هو بعث خليفة الله الكامل محمد (صلى الله عليه وآله)، والوصول إلى غاية الخلق وهي خليفة الله الكامل محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يقوم مقام الله في الإرسال، لهذا افتتحت به النبوة الرسالية منه (صلى الله عليه وآله)، و هذا التغيير حتمي بعد أنْ وصلت النوبة إلى خليفة الله الكامل محمد (صلى الله عليه وآله) الذي مثَّل اللاهوت في الخلق.
خلفاء الله بعد رسول الله محمد – خليفة الله الكامل – لهم مقام النبوة، ولكنهم رسل من محمد (صلى الله عليه وآله)، فمرسلهم والمهيمن على إرسالهم محمد (صلى الله عليه وآله). وهذا المعنى يوضح معنى الروايات التي تنفي نبوتهم والأخرى التي تثبت أنهم يوحى لهم، فالمنفي هو النبوة الرسالية من الله سبحانه وتعالى، وليس مطلق النبوة الرسالية.
في بصائر الدرجات: «حدثنا عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن الحسين بن علي عن علي بن عبد العزيز عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك آن الناس يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجه علياً (عليه السلام) إلى اليمن ليقضى بينهم فقال علي فما وردت علي قضية آلا حكمت فيها بحكم الله وحكم رسوله (صلى الله عليه وآله). فقال: صدقوا.
قلت: وكيف ذاك ولم يكن انزل القرآن كله وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) غائبا عنه؟ فقال: تتلقاه به روح القدس» [بصائر الدرجات – الصفار: ص472].
وفي الكافي: «عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) كَانَ مُحَدَّثاً فَقُلْتُ فَتَقُولُ نَبِيٌّ قَالَ فَحَرَّكَ بِيَدِه هَكَذَا ثُمَّ قَالَ أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ أَوْ كَصَاحِبِ مُوسَى أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ أومَا بَلَغَكُمْ أَنَّه قَالَ وفِيكُمْ مِثْلُه» [الكافي – الكليني: ج1 ص269].
ويجب الالتفات إلى أنّ ختم النبوة الرسالية من الله، وافتتاح النبوة الرسالية من محمد (صلى الله عليه وآله) لا يعني أفضلية السابقين؛ لأنّ هذا الأمر بحد ذاته لا يعني أفضلية معينة، حيث إنّ الرسالة من محمد هي رسالة من الله سبحانه وتعالى، فالإرسال السابق من الله ومن خلال محمد (الحجاب الأقرب)؛ لكونه لم يُبعث، والإرسال اللاحق من الخليفة الكامل محمد (صلى الله عليه وآله) وبأمر الله كونه قد بُعث.
وسيأتي الكلام في علم خلفاء الله في أرضه وأنه وحي ساعة بساعة بخصوص ما يحتاجه الناس في أمور دينهم. وهنا أورد رواية في مصدر علمهم تناسب المقام، يبيّن فيها الإمام أنهم رسل من محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن من يعلمهم هو رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله). وبالطبع بالنسبة لخلفاء الله بعد علي بن أبي طالب؛ فإنّ علياً هو باب محمد (صلى الله عليه وآله) مدينة العلم، فلا مانع أنْ يكون هو طريق علمهم أيضاً:
«حدثنا عبد الله بن محمد عن محمد بن الوليد أو عمن رواه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب عن منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن عندنا صحيفة فيه أرش الخدش. قال: قلت: هذا هو العلم. قال: إن هذا ليس بالعلم إنما هو اثرة إنما العلم الذي يحدث في كل يوم وليلة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) » [بصائر الدرجات – الصفار: ص344].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ القدرة على التأثير في هذه الحياة الدنيا
النفع والضر والشفاعة والقدرة على التأثير في هذه الحياة الدنيا عموماً متعلقة بالحياة والإذن من الله سبحانه،
وبما أن الحياة ثابتة قطعاً للأنبياء والأوصياء المرسلين (ع)؛ لأنهم سادة الشهداء على الخلق وهم من قتلوا أناهم في سبيل الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾آل عمران : 169.
ومن يقول إنهم ليسوا أحياء عند ربهم يرزقون يعني أنه يتهم الأنبياء والأوصياء، فكيف يقرّ بأن من قتل تحت راياتهم حي عند ربّـه، وهم (ع) القادة وأصحاب الرايات لا يكونون كذلك ؟!
إذن، فالحياة عند ربهم ثابتة للأنبياء والأوصياء وبالتالي فالقدرة ثابتة؛ لأن تأثير الروح المشرقة بنور ربها على هذا العالم الجسماني أهون ما يكون؛ لأنها من عالم مهيمن على هذا العالم
فلم يبقَ إلا الإذن من الله لهم بالتأثير، والله سبحانه قال:
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾الأنبياء : 26–29.
فهم إذن أحياء وقادرون بقدرة الله وما أودع الله فيهم من القدرة ويعملون بإذن الله وبأمر الله بل والله أمرنا أن نتخذهم وسيلة ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾الإسراء : 57.
بل ونطلب منهم حتى أن يكونوا شفعاءنا إلى الله في غفران الذنوب ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ النساء : 64.
أما من يحصر تأثيرهم وقدرتهم بوجودهم الجسماني في هذه الحياة الدنيا فهو جاهل لحقيقة الأمر، ولم يلتفت إلى أنهم أحياء عند ربهم، والله يستعملهم وهم عمال عند الله ولهم مهام وأعمال يقومون بها، كما أن جبرائيل (ع) الملك والحي عند ربه له مهام وأعمال يقوم بها بإذن الله.
فاتهام من يعتقد بأن محمداً (ص) يضر وينفع بإذن الله بعد وفاته وانتقاله إلى ربه؛ لأنه حي عند ربه بأنه مشرك غير صحيح؛
لأن جبرائيل (ع) الملك الحي عند ربه وهو روح وليس جسد جسماني في هذا العالم يضر وينفع وعمل ويعمل وسيعمل أعمالاً بإذن الله.
المصدر: كتاب التوحيد – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ المُرسِل لابد أن يكون بمقام اللاهوت للمُرسَل
إذا كان إنسان لديه مصنع وفيه آلات وعمّال ، فإذا كان هو بنفسه يدير هذا المعمل تكون نسبة الإنتاج في المصنع هي مائة بالمائة (100 %)، ثم بَدا لهذا الإنسان أن يجعل شخصاً يخلفه في إدارة هذا المصنع، فوجد إنساناً آخر يستطيع إدارة هذا المصنع، ولكنّه إذا لم يُشرف هو بنفسه على هذا الشخص تكون نسبة الإنتاج ثمانيين بالمائة (80 %)، فلابد له من الإشراف عليه لتبقَ نسبة الإنتاج تامّة (مائة بالمائة). ثم إنّه وجد إنساناً آخر أكثر كفاءة من السابق، ولكنّه أيضاً يحتاج إلى الإشراف عليه ، وإلاّ ستكون النسبة (90 %)، فجعله خليفته في هذا المصنع، وأشرف عليه وعلى عمله لتبقى النسبة مائة بالمائة (100 %).
ثم أخيراً وجد إنساناً مثله وكأنّه صورة له يستطيع إدارة المصنع وبدون الإشراف عليه وتكون نسبة الإنتاج مائة بالمائة (100 %)، فجعله خليفته على المصنع، وأطلق يده يفعل ما يشاء فيه؛ لأنّه لا يشاء إلاّ مشيئة صاحب المصنع، فالآن الإشراف على هذا الخليفة الكامل من صاحب المصنع سيكون عبثاً.
فالذي يسمع بالنار يعرفها بقدر ما سمع عنها، وكذا من رآها يعرفها على قدر رؤيته لها. أمّا من احترق منه شيئاً بالنار فهو يعرفها يقيناً، لكن بقدر ما احترق منه بها، أمّا من احترق كلّه بالنار حتى أصبح هو النار فإنّه يعرفها بشكل كامل وتام، حتى إنّك لا تستطيع أن تميّزه من النار؛ لأنّه أصبح منها:
﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾النمل: 8 ،
﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾العنكبوت: 43.
المصدر: كتاب النبوة الخاتمة – السيد أحمد الحسن (ع)
………………..
ويبقى أمر لابد من معرفته في قضية الإرسال من الرُسُل، وهو كون المُرسِل لابد أن يكون بمقام اللاهوت للمُرسَل؛ ولذا فإنّ المرُسِلين من المرُسَلين من الله سبحانه وتعالى لابد أن يكونوا بمقام الله في الخلق.
ولتتوضّح هذه المسألة أكثر أقول: في الإرسال من الله سبحانه وتعالى كان الله مع المُرسَلين يسمع ويرى فهو محيط بالمرُسَل وبأعدائه، فلا يحصل خطأ في إيصال الرسالة، كما لا يستطيع أعداء الله مهما حاولوا منع تبليغ الرسالة، قال تعالى:
﴿ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾طـه: 46.
ومن الضروري أن يكون الحال كذلك في الإرسال من الرُسُل (ع)،
فلا بد أن يكون المُرسِل الذي مثَّل الله محيطاً بالمُرسَل وبأعدائه،
ويسمع ويرى وقادراً عالماً بقدرة الله وعلمه،
وإلاّ فلا يكون هذا الإرسال من الله حقيقة، وتماماً كما عبّر عنه سبحانه ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا﴾،
وإذا كان الأمر كذلك أصبح المُرسِل لاهوت بالنسبة للمُرسَل.
ثم إنّ هذا المُرسِل أرسل رسوله بإذن الله سبحانه وتعالى، فكيف يأذن له الله دون أن يجهّزه بالقدرة الكاملة لهذا الإرسال الذي هو أيضاً إرسال منه سبحانه؛ لأنّه إذا لم يكن الأمر كذلك وكان هناك نقص، فإنّ هذا النقص ينسب إلى ساحة الله سبحانه وتعالى.
ثم إنّ الهدف من خلق بني آدم هو الوصول إلى هذه النتيجة؛ لأنّها تمثل خلافة الله الحقيقية الكاملة التامّة، وقد ذكرها سبحانه في محضر من الملائكة عندما أراد خلق آدم (ع):
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾البقرة: 30.
والخليفة الكامل لابد أن يكون صورة كاملة لمن استخلفه، فلابد أن يكون هذا الخليفة الكامل هو: (الله في الخلق) أو (أسماء الله الحسنى ) أو (وجه الله)، قال تعالى:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾القيامة: 22 – 23.
وأكيد أنّ النظر لا يوجّه إليه سبحانه وتعالى، بل إنّ وجوه أوليائه الناضرة ناظرة إلى مربيها محمد (ص) الذي هو وجه الله سبحانه الذي واجه به خلقه.
وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾البقرة: 210.
وتعالى الله عن الإتيان والذهاب والحركة، وهي من صفات المخلوق، فالمراد بهذه الآية محمد (ص) خليفة الله الكامل، الذي يمثل اللاهوت (الله في الخلق)، وبدون أن يمارس الخليفة دور اللاهوت في إرسال المرُسَلين عملياً لا يكون خليفة الله الكامل حقّاً وتماماً، بل ولا يتحقق الهدف من الخلق؛ فإنّه بممارسة هذا الخليفة لدور اللاهوت يكون صورة كاملة يعرف بها الله سبحانه وتعالى، فيتحقق الهدف من الخلق، وهو المعرفة، أي معرفة اللاهوت والتوحيد الحقيقي: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾الذريات: 56.
،أي إلاّ ليعرفون جواهر الكلام: ج29 ص31.
المصدر: كتاب النبوة الخاتمة – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
[ … ختم النبوّة ، وأقصد بالختم هنا (الانتهاء)، أي انتهاء النبوّة وتوقّفها أمرٌ غير صحيح إذا كان المراد بالنبوّة هي الوصول إلى مقام النبوّة.
وبالتالي معرفة بعض أخبار السماء من الحق والغيب؛ لأنّ طريق الارتقاء إلى ملكوت السماوات مفتوح، ولم يغلق ولن يغلق.
كما أنّ النبي محمد (ص) أكد في أكثر من رواية رواها الشيعة والسنة، وكذا أهل بيته (ع) أنّ طريقاً من طرق الوحي الإلهي سيبقى مفتوحاً، ولن يغلق وهو (الرؤيا الصادقة) من الله سبحانه وتعالى].
……….
[ … إذن، فالرؤيا طريق لوحي الله سبحانه، وهو مفتوح بعد محمد (ص)، والذي تأكّد بالروايات وبالواقع الملموس أنّه لا يزال مفتوحاً للناس.
ولا يوجد مانع أن يصل بعض المؤمنين المخلصين في عبادتهم لله سبحانه إلى مقام النبوّة، ويمكن أن يوحي لهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطريق (الرؤيا)، فيطلعهم الله على بعض الحق والغيب بفضل منه سبحانه وتعالى.
والمؤكّد أنّ الأئمة (ع) قد وصلوا إلى مقام النبوّة، وكان الحق والغيب يصلهم بالرؤيا والكشف، والروايات التي تؤكّد ذلك كثيرة جدّاً …
إذن، فوجود مؤمنين مخلصين وصلوا إلى مقام النبوّة، وأوحى لهم الله سبحانه وتعالى بطريق الرؤيا أمرٌ ممكن ، بل هو حاصل مع الأئمة (ع) على أقل تقدير.
أمّا ما ورد عنهم (ع) ويفهم منه نفيهم أنهم أنبياء، فالمراد منه نفي أنهم أنبياء مُرسَلون من الله سبحانه وتعالى … ].
المصدر: كتاب النبوة الخاتمة – السيد أحمد الحسن (ع)
………….
وعن النبي (ص)، قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوّة) صحيح مسلم: ج7 ص52.
وعن رسول الله (ص): (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) سنن الترمذي: ج3 ص363.
وعنه (ص) قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدّث بها) صحيح البخاري: ج8 ص83.
وعنه رسول الله (ص): (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءاً من النبوّة) مسند احمد: ج4 ص11.
وعنه (ص)، قال: (رؤيا المؤمن أو المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة) مسند احمد ابن حنبل: ج5 ص319.
وقال رسول الله (ص): (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) صحيح مسلم: ج7 ص53.
وعن رسول الله (ص): (إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً. ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) سنن ابن ماجة: ج2 ص1289.
وعن رسول الله (ص): (رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءا من النبوة) سنن الترمذي: ج3 ص366.
◄معرفة شيء عن مقام النبي محمد (ص)
ما المراد من كون الرسول محمد (ص) خاتِم النبيين، (أي آخرهم) ؟
وكذا ما المراد من كونه (ص) خاتَم النبيين (أي أوسطهم) ؟ فكلاهما أي (خاتم و خاتَم) من أسماء النبي محمد (ص).
ولمعرفة الجواب لابد من معرفة شيء عن مقام النبي محمد (ص)، وبعض ما تميّز به عن بقية بني آدم، بل والأنبياء (ع) منهم على الخصوص.
* * *
محمد (ص) ظهور اللّه في فاران
وردت هذه العبارة في دعاء السمات الوارد عن الأئمة (ع): (…. وأسألك اللهم ….، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء، فكلّمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران (ع)، وبطلعتك في ساعير، وظهورك في فاران …) بحار الأنوار: ج87 ص97.
وطلعة الله في ساعير بعيسى (ع)، وظهور الله في فاران بمحمد (ع).
ولابد من الالتفات إلى أنّ عبارات الدعاء مرتّبة تصاعديّاً،
فمن نبي (كلّمه الله) وهو موسى (ع)،
إلى نبي مثّل (طلعة الله) وهو عيسى (ع)،
إلى نبي مثّل (ظهور الله ) وهو محمد (ص).
والفرق بين الطلعة والظهور؛ هو أنّ الطلعة هي الإطلالة والظهور الجزئي ، أي إنّ الطلعة هي تجلّي بمرتبة أدنى من الظهور،
فكلاهما أي عيسى (ع) ومحمد (ص) مثَّلا الله سبحانه في الخلق ، ولكن عيسى (ع) بمرتبة أدنى من محمد (ص).
وبَعث عيسى (ع) كان ضرورياً للتمهيد لظهور، وبَعث محمد (ص) الذي مثَّل الله في الخلق، فكان محمد (ص) خليفة الله حقّاً.
وإذا رجعنا إلى أصل وبداية الخلق وجدنا الله سبحانه وتعالى يخاطب الملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾البقرة: 30.
فإنّه وإن كان آدم خليفة الله وباقي الأنبياء والأوصياء (ع) كذلك، ولكن الهدف الذي يُراد الوصول إليه هو خليفة الله حقّاً، أي الشخص الذي يكون خليفة كامل لله سبحانه وتعالى، فيعكس اللاهوت في مرآة وجوده بشكل أكمل وأتم من كل الأنبياء والأوصياء (ع)
فالمراد الوصول إليه هو شخص يخفق بين (الأنا والإنسانية)، وبين (اللاهوت والذات الإلهية).
سأل أبو بصير أبا عبد الله (ع)، فقال: (جعلت فداك كم عرج برسول الله (ص) ؟
فقال (ع): مرتين، فأوقفه جبرائيل موقفاً فقال له: مكانك يا محمد فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قط ولا نبي، إنّ ربك يصلي ،
فقال (ص): يا جبرائيل وكيف يصلي ؟
قال: يقول: سُبوح قدوس أنا رب الملائكة و الروح، سبقت رحمتي غضبي.
فقال (ص): اللهم عفوك عفوك.
قال: وكان كما قال الله: ﴿قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾النجم: 9.
فقال له أبو بصير: جعلت فداك ما قاب قوسين أو أدنى ؟
قال (ع): ما بين سيتها إلى رأسها، فقال (ع): كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق، ولا أعلمه إلاّ وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سم الإبرة إلى ما شاء الله من نور العظمة.
فقال الله تبارك وتعالى: يا محمد.
قال: لبيك ربي.
قال: من لأمتك من بعدك ؟
قال: الله أعلم.
قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين.
ثم قال أبو عبد الله لأبي بصير: يا أبا محمد والله ما جاءت ولاية علي (ع) من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة) الجواهر السنية: ص213، الكافي: ج1 ص442
فمحمد (ص) في الآن الذي يفنى في الذات الإلهية لا يبقى إلاّ الله الواحد القهّار، ولا يبق إلاّ نور لا ظلمة معه، وهو الله سبحانه وتعالى،
فيكون هذا العبد قد كشف عنه الغطاء حتى عرف الله حق معرفته.
فهو فقط الذي يمكن أن يُعرّف الخلق بالله بشكل كامل وتام،
وكذلك هو فقط خليفة الله الكامل، أي الذي تجلّى فيه اللاهوت، أو الذات الإلهية بأكمل ما هو ممكن للإنسان.
المصدر: كتاب النبوة الخاتمة – السيد أحمد الحسن (ع)
هو صلوات ربي عليه آخر الأنبياء والمرسلين من الله سبحانه وتعـالى، ورسالته وكتابه القرآن وشريعته باقية إلى يوم القيامة، فلا يوجد بعد الإسلام دين:
﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾آل عمران: 85.
ولكن بقي مقام النبوّة مفتوحاً لبني آدم، فمن أخلص من المؤمنين لله سبحانه وتعالى في عبادته وعمله يمكن أن يصل إلى مقام النبوّة، كما بقي طريق وحي الله سبحانه وتعالى لبني آدم بـ (الرؤيا الصادقة) مفتوحاً وموجوداً وملموساً في الواقع المعاش.
أمّا إرسال أنبياء ممن وصلوا إلى مقام النبوّة من الله سبحانه وتعالى، سواء كانوا يحافظون على شريعة محمد (ص) الإسلام، أم إنّهم يجدّدون ديناً جديداً، فهو غير موجود وهو الذي ختمه الله سبحانه وتعالى ببعثه محمداً (ص).
ولكن تجدّد بعد بَعث النبي محمد (ص) (الإنسان الكامل وخليفة الله حقاً، وظهور الله في فاران وصورة اللاهوت) أمر الإرسال من محمد (ص)، فجميع الأئمة (ع) هم مرسلون إلى هذه الأمة، ولكن من محمد (ص) (الله في الخلق)، قال تعالى:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ يونس: 47.
عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن تفسير هذه الآية :
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾.
قال (ع): (تفسيرها بالباطن؛ إنّ لكل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول، وهم الأولياء وهم الرسل، وأمّا قوله:
﴿فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾،
قال: معناه إنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله) تفسير العياشي: ج2 ص123
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ الرعد: 7.
عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ، سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ (عز وجل): ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ (ع): (كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ) الكافي: ج1 ص191
عَنْ أَبِي جَعْـفَرٍ (ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ (عز وجل): ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَـالَ: (رسول الله (ص) الْمُنْذِرُ، وَلِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ (ص)، ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ) الكافي: ج1 ص191.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، (قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: رسول الله (ص) الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي. يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَلْ مِنْ هَادٍ الْيَوْمَ ؟ قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا زَالَ مِنْكُمْ هَادٍ بَعْدَ هَادٍ حَتَّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الْآيَةُ مَاتَ الْكِتَابُ، وَلَكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرَى فِيمَنْ مَضَى) الكافي: ج1 ص192.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾، فَقَالَ: (رسول الله (ص) الْمُنْذِرُ وَعَلِيٌّ الْهَادِي؛ أَمَا وَاللَّهِ مَا ذَهَبَتْ مِنَّا وَمَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ) الكافي: ج1 ص192.
فهم (ع) رسل هداة من محمد (ص)، وإلى محمد (ص)، وأيضاً هم جميعاً عليهم صلوات ربي لهم مقام النبوّة.
بل إنّ شرط الإرسال الذي لا يتبدّل هو: (تمام العقل)، فلا بد من الوصول إلى مقام السماء السابعة الكلية (سماء العقل).
وهذا الأمر الذي تجدّد يقرأه – سواء كان يفقهه أم لا يفقهه – كل من يزور أوّل رسول من محمد (ص) وهو علي بن أبي طالب (ع)، بل لا يدخل إلى الحرم المطهر لأمير المؤمنين (ع) إلاّ بعد قراءته، وهو بمثابة زيارة للنبي محمد (ص).
في زيارة أمير المؤمنين علي (ع) عن الصادق (ع): (…. وتقول: السلام من الله على محمد أمين الله على رسالته وعزايم أمره ومعدن الوحي والتنزيل، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كله ، الشاهد على الخلق، السراج المنير، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) بحار الأنوار: ج97 ص148.
ووردت نفس العبارة في زيارة الحسين (ع):
عن أبي عبد الله (ع)، قال: (… فإذا استقبلت قبر الحسين (ع) فقل: السلام على رسول الله (ص)، أمين الله على رسله وعزائم أمره، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته) كامل الزيارات: ص 368.
وقال أمير المؤمنين علي (ع): (…. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يؤدي الإسلام ذاكرها ويؤمن من العذاب يوم الحساب ذاخرها، وأشهد أنّ محمداً عبده الخاتم لما سبق من الرسالة وفاخرها، ورسوله الفاتح لما استقبل من الدعوة وناشرها …) ينابيع المودّة: ج3 ص206.
فمحمد (ص) ختم الإرسال من الله سبحانه وتعالى، وفتح الإرسال منه (ص) (الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل).
وبهذا تبيّن كونه (ص) (الخاتَم) أي الوسط بين أمرين،
وكذا كونه (الخاتِم) أي الأخـير.
وتبيّن أيضاً أنّه (خاتَم النبيـين) بمعنى أنّه ما تُختم به رسالاتهم، أي إن رسالاتهم موقعة ومختومة باسمه (ص) ؛ وذلك لأنّ إرسال الأنبياء السابقين وإن كان من الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضاً محمد (ص) هو الحجاب بين الله سبحانه وبين الأنبياء، فالرسالات منه تترشح، ومن خلاله تتنـزل إلى الأنبياء .
فمحمد (ص) هو صاحب رسالات الأنبياء السابقين، كونها تنـزلت من خلاله ، وهو الحجاب الأقرب إلى الله سبحانه، فالإرسال السابق من الله ومن خلال محمد (ص) (الحجاب الأقرب)؛ لكونه لم يُبعث (ص)، والإرسال اللاحق من محمد (ص) وبأمر الله كونه بُعث (ص).
واسم من أسماء علي بن أبي طالب (ع) هو : (رسول رسول الله (ص)).
عن جميل بن صالح، عن ذريح، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يعوذ بعض ولده، ويقول: (عزمت عليك يا ريح ويا وجع، كائناً ما كنت، بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) رسول رسول الله (ص) على جن وادي الصبرة فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة، الساعة الساعة) الكافي: ج8 ص85.
المصدر: كتاب النبوة الخاتمة – السيد أحمد الحسن (ع)