بما أنّ إثبات خلافة أي خليفة إلهي يحتاج للنص، لهذا سنعتمد النصوص في الكتب الإلهية المعتمدة في الديانتين الإبراهيميتين اللتين سبقتا الإسلام أي اليهودية والمسيحية، وهذه الكتب هي العهدان القديم والجديد.

التكوين – الأصحاح الحادي والعشرون:
«فبكر إبراهيم صباحاً وأخذ خبزاً وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعاً إياهما على كتفها والولد وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع. 15 ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار. 16 ومضت وجلست مقابله بعيداً نحو رمية قوس. لأنها قالت لا أنظر موت الولد. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. 17 فسمع الله صوت الغلام. ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر. لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. 18 قومي احملي الغلام وشدي يدك به. لأني سأجعله أمة عظيمة. 19 وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء. فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. 20 وكان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. 21 وسكن في برية فاران».

وعند الله كثرة العدد لا تمثل أمة عظيمة، فالمراد من الأمة العظيمة – والعظمة لله سبحانه – هم الأنبياء والأوصياء، أي المقصود بالأمة العظيمة من إسماعيل (عليه السلام) هم أنبياء وأوصياء من ذريته، وهؤلاء هم محمد وآل محمد بالخصوص خلفاء الله في أرضه، وهم فقط الأمة العظيمة المعروفة اليوم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، فمن ينكرهم ينكر ما بشرت به التوراة، وينكر أهم أسفارها؛ سفر التكوين.

حبقوق – الأصحاح الثالث:
«1 صلوة لحبقوق النبي على الشجوية 2 يا رب قد سمعت خبرك فجزعت. يا رب عملك في وسط السنين أحيه. في وسط السنين عرف. في الغضب أذكر الرحمة 3 الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه. 4 وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى».

تيمان تعني اليمن، وفاران تعني مكة، فيكون معنى النص أعلاه:
«الله جاء من تيمان»: أي الله جاء من اليمن.
و «القدوس من جبل فاران»: أي القدوس جاء من مكة.

وتعالى الله أنْ يوصف بالمجيء من السماء فكيف من الأرض؟! لأنّ الإتيان والمجي تستلزم الحركة، وبالتالي الحدوث، وبالتالي نفي القدم والأزلية، وبالتالي نفي الألوهية المطلقة. فلا يمكن اعتبار أنّ الذي يجيء من تيمان أو اليمن هو الله سبحانه وتعالى، ولا الذي يجيء من فاران هو الله سبحانه وتعالى. هذا فضلاً عن الأوصاف الأخرى كاليد والأرجل تعالى الله عنها علواً كبيراً، «وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. 5 قدامه ذهب الوبأ وعند رجليه خرجت الحمى».

وبالتالي فالذي جاء وينطبق عليه الوصف الذي في النص أعلاه تماماً هو عبد الله ورسوله محمد، وآله من بعده؛ حيث إنهم من مكة (فاران) ومحمد وآل محمد يمانيون أيضاً؛ لأنّ مكة تهامية وتهامة من اليمن (تيمان). ومجيء محمد هو مجيء الله؛ لأنّ محمداً هو الله في الخلق، كما بيَّنته سابقاً في كتاب التوحيد.

ومسألة أنّ تيمان تعني اليمن قد ورد في الإنجيل أيضاً على لسان عيسى (عليه السلام) عندما سمى ملكة اليمن بملكة التيمن (أو تيمان).
إنجيل متى – الأصحاح الثاني عشر:
«ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهو ذا أعظم من سليمان ههنا».
إنجيل لوقا – الأصحاح الحادي عشر:
«ملكة التيمن ستقوم في الدين مع رجال هذا الجيل وتدينهم. لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان».

إشعيا- الأصحاح الحادي عشر:
«1 ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله 2 ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. 3 ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. 4 بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. 5 ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه 6 فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معاً وصبي صغير يسوقها. 7 والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً. 8 ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على حجر الأفعوان. 9 لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. 10 ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجداً 11 ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور ومن مصر ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام ومن شنعار ومن حماة ومن جزائر البحر. 12 ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض».
النص أعلاه من العهد القديم وهو يتكلم عن المنقذ في آخر الزمان، وقد فسره المسيحيون بعيسى (عليه السلام) (يسوع)، لكن تفسير المسيحيين للغصن بأنه عيسى (عليه السلام) غير صحيح؛ حيث إنّ النص يأبى تفسيرهم ويناقض عقيدتهم. فعيسى (عليه السلام) بحسب معتقدهم هو الرب المطلق نفسه، فكيف يخاف من الرب وتكون لذته في مخافة الرب ؟!! وربما يعلِّلون هذا باللجوء إلى عقيدة الأقانيم الثلاثة الباطلة والمتناقضة والتي بيَّنت بطلانها بالدليل في كتاب التوحيد.
كما أنّ عيسى لم يحكم ولم يقضِ بين الناس، فهو لم يتمكّن من إقامة العدل أو إنصاف المظلومين، فكيف ينطبق عليه النص أعلاه ؟!
وعيسى (عليه السلام) لم يتحقق في زمنه ما يصوّره النص من أنّ الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر، ويكون لهذه المعرفة أثر وهو أنّ الأغنياء يواسون الفقراء، وأنّ القوي يعين الضعيف، وأنّ تخلو الأرض من الظلم تقريباً، فلم يتحقق هذا حتى على مستوى منطقة أو مدينة صغيرة.
فالنص كله تقريباً بعيد كل البعد عن عيسى (عليه السلام) وعن دعوته، فهو لم يجمع منفيي إسرائيل (يعقوب عندهم) ؟؟ ولم يضمَّ مشتتي يهوذا (ابن يعقوب عندهم) من أطراف الأرض ؟؟ ولو قالوا: جمعهم وضمّهم بالإيمان به، أيضاً لا يصح؛ لأنّ دعوة عيسى (عليه السلام) إلى حين رفعه لم تتجاوز حدود مدن قليلة على مستوى التبليغ بها فضلاً عن الإيمان والاعتقاد بها. بينما نجد النص يقول: إنّ هذا الشخص يضم مشتتي يهوذا من أطراف الأرض، أي أنّ معنى النص: أنّ هذا الشخص يؤمن به ويعتقد به في زمن بعثته أناس كثيرون من مختلف دول العالم ومن الدول النائية عن مكان بعثته بالخصوص (أطراف الأرض).

«ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض»:
كلمة يهوذا معناها بالعربي: (حمد) أو أحمد. في التوراة في سفر التكوين – الأصحاح التاسع والعشرون:
«35 وحبلت أيضاً وولدت ابناً وقالت هذه المرة أحمد الرب. لذلك دعت اسمه يهوذا. ثم توقفت عن الولادة»
[جاء في قاموس الكتاب المقدس في شرح كلمة “يَهوذا ابن يعقوب”: “اسم عبري معناه “حمد” وهو رابع أبناء يعقوب من ليئة، وولد في ما بين النهرين “تك 29: 35″. وأعطي هذا الاسم لسبب شكر أمه عند ولادته”].

وكلمة إسرائيل معناها بالعربي: عبد الله. فيكون النص: «ويرفع راية للأمم ويجمع منفيي إسرائيل “عبد الله” ويضم مشتتي يهوذا “أحمد” من أربعة أطراف الأرض».

ومحمد عند بعثه نزل القرآن في أنه هو أحمد أو (يهوذا) المبشّر به في الكتاب، أي أنه ادعى أنّ هذا النص ينطبق عليه، وكما أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) قال: أنا عبد الله وأنا إسرائيل وما عناه عناني.
إذن، فأحمد (يهوذا) وعبد الله (إسرائيل) المبشر به في الكتاب المقدس قد جاء وادعى النص وهو محمد (صلى الله عليه وآله).
أيضاً: في الإسلام (المشتتون) الذين يجتمعون كقزع الخريف من أطراف الأرض لنصرة القائم (المهدي الأول أحمد) هم أنصار الإمام المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان، كما هو معلوم من روايات محمد وآل محمد.

أما النص من الله سبحانه وتعالى، فالله في القرآن بيّن أنه سبحانه وتعالى نص على محمد لمن طلبوا نص الله سبحانه، وقدّم نفسه شاهداً لمن يطلبون شهادته. وطريق شهادة الله للناس هو الملكوت، أي الرؤى المحكمة التي يراها الإنسان ويتضح له منها طريق الحق.

قال تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ [الإسراء: 96].
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: 43].

ومن يطلبون شهادة الله لمحمد (صلى الله عليه وآله)؛ فالله بالأمس واليوم وغداً يقدم نفسه شاهداً لمحمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله). فعلى الإنسان فقط الإخلاص في طلبه لله لمعرفة الحق، وسيكلّمه الله بالرؤى والطرق الملكوتية الروحية، ويبيّن له الحق وأنه مع محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله).

وفي زمن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) طلب كثير من الناس شهادة الله لهم بالرؤى، وقد شهد الله لهم وآمنوا نتيجة رؤاهم المحكمة التي رأوها والتي بيّن فيها الله لهم حق محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله). وهذه بعض الرؤى التي شهد الله فيها لرسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) :

1. عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
«دخل جندب ابن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله، فقال: يا محمد، أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله. فقال رسول الله: أما ما ليس لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود “إنه عزير ابن الله” والله لا يعلم له ولداً. فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله حقاً. ثم قال: يا رسول الله، إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران ع فقال لي: يا جندب أسلم على يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده…) [ كفاية الأثر – الخزاز القمي: ص57 – 58؛ بحار الأنوار – المجلسي: ج36 ص304].

2. أخرج ابن عساكر في قصة إسلام سعد بن أبي وقاص بسنده:
«عن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: رأيت في المنام قبل أن أسلم بثلاث كأني في ظلمة لا أبصر شيئاً إذ أضاء لي قمر فاتبعته فكأني أنظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر فأنظر إلى زيد بن حارثة وإلى علي بن أبي طالب وإلى أبي بكر وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى ها هنا ؟ قالوا: الساعة، وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام مستخفياً، فلقيته في شعب أجياد وقد صلى العصر فقلت: إلى ما تدعو ؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله» [تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر: ج20 ص299؛ أسد الغابة – ابن الأثير: ج2 ص292؛ الوافي بالوفيات – الصفدي: ج15 ص91].

3. روى ابن سعد والحاكم وغيرهما:
«قال محمد بن عمر قال حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان إسلام خالد بن سعيد قديماً وكان أول إخوته أسلم وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه واقف على شفير النار فذكر من سعتها ما الله به أعلم ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها ويرى رسول الله آخذا بحقويه لئلا يقع ففزع من نومه فقال أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق … فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يدري من عبده ممن لم يعبده. قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر رسول الله بإسلامه..» [الطبقات الكبرى – ابن سعد: ج4 ص94؛ المستدرك – الحاكم: ج3 ص248؛ أسد الغابة – ابن الأثير: ج2 ص82].

أيضاً يضاف إلى النص المعجزات التي أيد الله بها دعوة محمد (صلى الله عليه وآله).

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)


الاتصاف بصفة الألوهية (عموماً) غير منحصر به سبحانه وتعالى

نصوص التوراة والإنجيل تثبت أن الله واحد أحد غير مركب

فصل الخطاب من الإنجيل: عيسى (ع) يجهل الساعة