بعد وفاة النبي (ص) كان على المسلمين الرجوع إلى أوصيائه (ع)؛ لمعرفة الأحكام الشرعية المشتبهة عليهم أو التي تستجد مع مرور الزمن،
ولكن بما أنّ جماعة من المسلمين انحرفوا عن الأوصياء (ع)، وتركوا الأخذ عنهم – وهم أهل السنة – فقد أدّى مرور الزمن بهم إلى تأليف قواعد عقلية مستندة إلى القواعد المنطقية، اعتمدوا عليها في إصدار بعض الأحكام الشرعية، وسمّوها بـ (أصول الفقه)، وأعرض بعض علمائهم عنها والتزم بالقرآن وما صح عندهم أنّه صدر عن النبي (ص).

أمّا الشيعة فكانوا دائماً يرجعون إلى الإمام المعصوم (ع) بعد النبي (ص)، وهذا هو التقليد الواجب أي تقليد المعصوم (ع)، وكان أصحابهم يتلقون معالم دينهم مباشرة
أو كما يقول الآخوند الخراساني:
(يأخذون الأحكام ممن ينقلها عنهم (ع) بلا واسطة أحد، أو معها من دون دخل رأي الناقل فيه أصلاً، وهو ليس بتقليد كما لا يخفى) كفاية الأصول: ص479-480،
بل هو تقليد للمعصوم (ع)،
وهؤلاء الأصحاب والرواة كانوا (فقهاء فيما ينقلونه عن الأئمة) كما يصفهم السيد الخوئي في تقرير بحثه مصباح الأصول من البهسودي ج1 ص217.

ولما وقعت الغيبة الصغرى كانوا يرجعون إلى سفير الإمام (ع) وهو مُعيَّنٌ منه والأخذ منه واجب وهو تقليد للمعصوم (ع) لا للسفير.

فلمّا وقعت الغيبة التامة كانوا يرجعون إلى الفقهاء الذين كانوا يروون عن المعصومين (ع)
كما يقول الشيخ جعفر السبحاني (في تقرير بحث السيد الخميني – تهذيب الأصول ج3 ص204.):
(وقد كان الإفتاء عند السؤال شفاهاً بنفس نقل الرواية، وهو غير ما نحن فيه. وقد كان السيرة على هذا المنوال إلى زمن الصدوقين، إلى أن تطور الأمر، وصارت تدوين الفتاوى بنقل متون الروايات بحذف إسنادها دارجاً من غير تجاوز عن حدود ما وردت فيه الروايات ….. إلى أن جاء دور التكامل والاستدلال، والتفريع والاستنتاج، فتوسع نطاق الفقه والاجتهاد منذ زمن الشيخ الطوسي إلى عصرنا الحاضر).