مناقشة بعض الأقوال في المعجزة:

قال الحلي:
«الثالث: الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه لأن العصمة من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى فلا بد من نص من يعلم عصمته عليه أو ظهور معجزة على يده تدل على صدقه»[الباب الحادي عشر – العلامة الحلي].

قال المقداد السيوري وهو يعلق على قول الحلي:

«أقول: هذه إشارة إلى طريق تعيين الإمام، وقد حصل الإجماع على أن التنصيص من الله ورسوله وإمام سابق سبب مستقل في تعيين الإمام (عليه السلام)، وإنما الخلاف في أنه هل يحصل تعيينه بسبب غير النص أم لا، فمنع أصحابنا الإمامة من ذلك مطلقا وقالوا لا طريق إلا النص، لأنا قد بينا أن العصمة شرط في الإمامة، والعصمة أمر خفي لا اطلاع عليه لأحد إلا الله فلا يحصل حينئذ العلم بها، في أي شخص هي، إلا بإعلام عالم الغيب وذلك يحصل بأمرين: أحدهما: إعلامه بمعصوم كالنبي (صلى الله عليه وآله) فيخبرنا بعصمة الإمام (عليه السلام) وتعيينه. وثانيهما: إظهار المعجزة على يده الدالة على صدقه في ادعائه الإمامة»[ تعليق على الباب الحادي عشر – المقداد السيوري: ص100 – 101].

بيّنت فيما تقدم أنّ النص من الحجة السابق المباشر أو غير المباشر؛ هو الدليل لتشخيص خليفة الله في أرضه. أما المعجزة فمؤيد، وأما كلام الحلي والسيوري في المعجزة هنا فليس له وجه إلا إن كان مبنياً على أنّ المعجزة عند الإتيان بها تأتي ظاهرة بشكل لا لبس فيه، على أنها معجزة لمن يواجهون بها، وهذا أمر غير موجود في أرض الواقع بالنسبة للمعاجز التي يقبل إيمان من يؤمن عندما تظهر أمامه، حيث إنها تكون مشتبهة وفيها لبس لكي لا تلغي مساحة الغيب من الإيمان، ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: 9]. إذن، لا يمكن في الواقع تطبيق القاعدة العقلية المتقدمة إلا على المعجزة القاهرة عندما تظهر للناس؛ لأنها لا تبقي مساحة للبس والشبهة، وهذه ليست موضوع البحث كما تقدم، فهي أصلاً ليست موضوعاً للإيمان، ولا يقبل إيمان من يؤمن بها، كما تبين سابقاً عند مناقشة هذا الأمر عقلاً ونقلاً.

فالحقيقة إنّ المشكل الذي واجهه هؤلاء الفقهاء وجعلهم يقعون في هذا الخطأ؛ هو أنهم لم يتمكنوا من التمييز بين المعجزة القاهرة التي لا يقبل إيمان من يؤمن بسببها، كما حصل مع فرعون عندما فلق الله البحر لموسى (عليه السلام)، وغير القاهرة التي يقبل إيمان من يؤمن بسببها، كما حصل مع السحرة عندما تحولت عصا موسى (عليه السلام) إلى أفعى والتهمت عصيهم التي كان يراها الناس أفاعي تسعى، فهذه الأخيرة والتي هي موضوع البحث مشتبهة وفيها لبس، وهي لمن واجهها ليست معجزة ظاهرة مئة بالمئة.

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)