الإمام مُنتظِر وليس مُنتظَر: هذه هي الحقيقة التي يقرّها جميع من يؤمن بما روي عن محمد وآل محمد (عليهم السلام) بصورة أو بأخرى، على الأقل هم يقرّونها عندما يقولون إنّ الإمام ينتظر تهيؤ (313) رجلاً ليقوم، وإن لم يفقهوا هذا القول سابقاً وقبل هذا البيان، بل يقرّها كل من يقول إنّ هناك مختارين لنصرة المنقذ كما في الإنجيل.

وبالتالي فالسؤال القديم الجديد ومحاولة تبرير الاستمرار على المنهج المنحرف بالقول “فما بال القرون الأولى”، أو “ما حال من سبقونا، وكيف كان عليهم أن يعملوا في الدين”، مبني على مغالطة وهي أنهم يفترضون عدم تقصير القرون الأولى، وبالتالي فما كانوا عليه هو الحق كله والحقيقة المطلقة، وهذا غير صحيح كما تبيّن، وقد بيّنته مسألة ذُكرت في الروايات وهي أنّ الفرج متعلق من جهة بتهيؤ (313) رجلاً، أي أنّ هذه الروايات بيّنت أنّ الفترة التي تسبق القيام لا يوجد فيها (313) رجلاً مهيأين لاستقبال المهدي، أي لا يوجد قابل لخليفة الله في أرضه وللرسالة الإصلاحية التي يحملها. ولهذا حصلت الغيبة الكبرى ونزع الحجة من بين أظهرهم لتقصيرهم كما في الرواية [عن أبي جعفر (عليه السلام):«إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم»]، وتأخر مجيء المهدي الأول إلى هذا العالم الجسماني إلى حين تهيؤ القابل.

وهذه رواية تبيّن بوضوح أنّ زمن الغيبة (ورفع الإمام المهدي عليه السلام) ما هو إلا زمن فترة كالفترة التي سبقت بعث رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وكان عيسى (عليه السلام) فيها مرفوعاً أيضاً. بل وتبيّن بوضوح أنّ المهدي الذي يملأها عدلاً هو المهدي الأول الذي يبعث على فترة من الأئمة؛ وذلك لأن الإمام المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام) لم يبعث على فترة من الأئمة، بل كان بعثه وإرساله وإعلان رسالته مباشرة بعد شهادة والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) :

النعماني: «…. عن شعيب بن أبي حمزة، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: لا. فقلت: فولدك؟ فقال: لا. فقلت: فولد ولدك؟ فقال: لا. قلت: فولد ولد ولدك؟ قال: لا. قلت: فمن هو؟ قال: الذي يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا لعلى فترة من الأئمة يأتي كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث على فترة من الرسل»[الغيبة – النعماني: ص192 – 193].

أما بالنسبة لمن يقولون بأنّ المهدي هو فقط الذي يولد في آخر الزمان، ولا يقولون بالإمام المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام) وبالغيبة، فيطَّرد معهم السبب السابق أيضاً، وهو أنّ تأخير ولادته إلى آخر الزمان إنما سببه عدم وجود القابل في الزمان السابق، وإلا فلو كان هناك قابل لخلقه الله في هذا العالم الجسماني قبل ذلك وبعثه لينشر العدل والقسط وإعادة سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضّة طرية كما بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل حتى لو اقتصروا مهمة المهدي – رغم أنه خليفة الله عند السنة – على إقامة الخلافة الراشدة سيطرد معهم السبب السابق؛ حيث إنّ الخلافة الراشدة عندهم انتهت بخلافة علي (عليه السلام) أو الحسن (عليه السلام) قبل أكثر من ألف عام، فلِمَ كل هذا التأخير بظهور خليفة الله المهدي إنْ لم يكن الأمر متعلقاً بالقابل كما بيّنته.

ممّا تقدّم:
يتبيّن بوضوح أنّ الزمن الذي يكون بين رفع الإمام المهدي محمد بن الحسن (عليه السلام) وبعث المهدي الأول أو اليماني هو زمن فترة كالزمن الذي كان بين رفع عيسى (عليه السلام) وبعث الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)
[حسب حال الفترة يكون الرسول، أي قبل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) كان الرسول المهيأ هو رسول من الله، أما في غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) فالرسول المهيأ هو من الإمام المهدي (عليه السلام)].
وعلة الفترة كما بيّنت عدم وجود القابل، ولشدة رحمة الله بالناس فقد تركهم مرجون لأمره لتشملهم رحمته.
أيضاً: تبيّن بوضوح وجلاء علة الغيبة بل وعلة تأخّر ولادة المهدي الأول وخلقه في هذا العالم الجسماني.
وأيضاً: فيه جواب على شبهة أنّ غياب الحجة أو رفعه مع حاجة الناس إليه مخالف للعدل والحكمة الإلهية كما يدّعي الوهابيون أو من يسمون أنفسهم السلفية.
وأيضاً: فيه بيان لمعنى ما ورد في أنّ كل راية قبل القائم هي راية طاغوت، ذلك لأنها رايات في زمن الفترة التي تسبق الظهور، وبالتالي فهي رايات تحمل بعض الباطل وإن خلطته ببعض الحق.

إذن، فالإمام المهدي في الحقيقة مُغيَّب مرفوض لعدم وجود القابل، عن أبى جعفر (عليه السلام) :
«إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم»[علل الشرائع – الصدوق: ج1 ص244 باب 179 علة الغيبة].

فلا أحد يستطيع إنكار عدم وجود القابل في زمن الغيبة أو الزمن الذي يسبق القيام وإقامة العدل في الأرض؛ لأنّ القابل كحد أدنى كما هو واضح في الروايات هم (313). إذن، فالقابل غير موجود طيلة فترة الغيبة، والإمام مُغيّب وليس غائباً.

[هؤلاء القابل هم قوم يقبلون رسالة المهدي، وهي التصحيح الديني العقائدي والشرعي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يحمله المهدي والذي يخالف ما بين أيديهم. وهذا ليس بالأمر الهيّن أو اليسير، فهو في زمن الظهور مثلاً يعني مخالفة الموروث الديني الفاسد ومخالفة كل المرجعيات الدينية القائمة عند ظهور المهدي. إنهم قوم يقبلون الخروج من مكان منتن مليء بريح نجسة اعتادوا استنشاقها ككل الناس حولهم، إلى الهواء الطلق ليستنشقوا الريح الطيبة، ويتبينوا ويميزوا مدى قذارة وعفونة ونجاسة الهواء الذي كانوا يستنشقونه. إنه أمر سهل وصعب جداً في نفس الوقت؛ فسهل جداً أن يسير الإنسان خطوات ليستنشق الهواء النقي، وصعب جداً أن يعترف أو يحتمل أنه يعيش في مكان منتن وعفن ومليء بالريح النجسة – دون أن يميز- ليتخذ الخطوة الأولى].

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)


إنّ هناك مختارين لنصرة المنقذ كما في الإنجيل

منهج وجوب تقليد غير المعصوم مجرد أوهام

تهيؤ العدة (313) استقبال المهدي (ع)

روايات عند السنة تثبت أن المهدي (ع) خليفة الله

روايات في أن كل راية قبل القائم هي راية طاغوت