قال تعالى : ((وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )) [الأنبياء 73]
((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة 24]
هؤلاء الأئمة الكرام صلوات الله عليهم قدموا الإخلاص في العبادة ((وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ))، قدموا الصبر والتصديق واليقين بآيات الله وبوحي الله (( لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ))، فاستحقوا أن يجعلهم الله أئمة يهدون بأمره، في الآيتين الله سبحانه الذي ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)) يبين سبب جعله هؤلاء العباد أئمة يهدون بأمره لان التفضيل بدون سبب مناف للعدل وهو سبحانه عادل، ولهذا أقول أيها الأحبة المؤمنون والمؤمنات كلكم اليوم تملكون الفطرة والاستعداد لتكونوا مثل محمد (ص) وعلي (ص) وآل محمد (ص) فلا تضيعوا حظكم، واحذروا فكلكم تحملون النكتة السوداء التي يمكن أن ترديكم وتجعلكم أسوء من إبليس لعنه الله إمام المتكبرين على خلفاء الله في أرضه، أسأل الله أن يتفضل عليكم بخير الآخرة والدنيا.
((كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26))) [المطففين].
ماذا قدم علي (ص) ليستحق هذا التفضيل الإلهي؟

علي صلوات الله عليه نصر رسول الله محمد (ص) في أول بعثته فكان أول المؤمنين ثم وهو شاب صغير في العمر قدم حياته قربانا بين يدي الله سبحانه وفي كل مرة يخرج بجرح أو جروح مميتة ولكنها لا تثنيه أن يتقدم للموت مرة أخرى، قدم عبادة وإخلاصا، تصدق بكل ما يملك، بخاتمه، وبطعامه وهو صائم، وما كان ليعلم به احد لولا أن الله أنزل قرآنا يذكر فعله، كان علي صلوات الله عليه يخفي بكائه بين يدي الله سبحانه حتى على فاطمة صلوات الله عليها، علي سحق أناه ولم يطلب أن يذكر فوهبه الله حكما وعلما وفضله على العالمين.
أما في ختام حياته وهو حاكم لدولة كبيرة ، فأتركه هو ليصف حاله حيث يقول صلوات الله عليه: ((أ أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدّهر ؟ أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها، و تلهو عمّا يراد بها، أو أترك سدى وأهمل عابثاً، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق المتاهة ………..
إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، و أفلتّ من حبائلك، و اجتنبت الذّهاب في مداحضك. أين القوم الّذين غررتهم بمداعبك ؟ أين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك ؟ هاهم رهائن القبور، ومضامين اللّحود واللّه لو كنت شخصاً مرئيّاً، وقالباً حسّيّا، لأقمت عليك حدود اللّه في عباد غررتهم بالأماني، وأمم ألقيتهم في المهاوي، و ملوك أسلمتهم إلى التّلف وأوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد ولا صدر.
هيهات من وطئ‏ء دحضك زلق، ومن ركب لججك غرق، ومن ازورّ عن حبالك وفّق، والسّالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه، والدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه .
أعزبى عنّي، فو اللّه لا أذلّ لك فتستذلّني، و لا أسلس لك فتقوديني، وايم اللّه يمينا برّة أستثني فيها بمشيئة اللّه لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، ولأدعنّ مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها . أتمتلئ‏ء السّائمة من رعيها فتبرك ؟ و تشبع الرّبيضة من عشبها فتربض ؟ و يأكل عليّ من زاده فيهجع ؟ قرّت إذا عينه إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة، والسّائمة المرعيّة طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها، و عركت بجنبها بؤسها، وهجرت في اللّيل غمضها، حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها، و توسّدت كفّها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم (أُولئِكَ حِزْبُ اللَّه ، أَلا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ))).
رحمك الله أبا الحسن سبقت سبقا بعيدا وأتعبت من يأتي بعدك تعبا شديداً.
أيها الأحبة هذه المناسبة أيضا تذكرنا بمن تنكروا ولازالوا يتنكرون لحاكمية الله ولعلي (ص) ولبيعة الغدير رغم أنها متواترة بل ونَظَّروا لحاكمية الناس رغم أن الآيات واضحة والأعلام قائمة في بيان حاكمية الله وأن الأرض لاتخلوا من خليفة لله بعد محمد (ص) كما كانت من قبله، فليتق الله المسلمون وليذعنوا للحق الذي أظهره الله يوم الغدير وليؤمنوا بإمامة علي (ع) الذي هو أولى بهم من أنفسهم بنص الغدير كما هو رسول الله (ص) وكما هو الله سبحانه.
أيها المسلمون في ظل هذه الظروف الملبدة بغيوم الفرقة وسفك الدماء خصوصا في سوريا فإني أقيم الحجة أمام الله وأدعوا فرق المسلمين من سنة وشيعة وغيرهم للتوحد تحت راية الحق التي أرفعها وأدعوهم لها، راية حاكمية الله والبيعة لله، راية وصية محمد بن عبد الله (ص) الوحيدة في ليلة وفاته والتي ذكر فيها اثنا عشر إماما واثنا عشر مهديا.
وقد بينت لهم الحق فليتقوا الله ويتوحدوا تحت راية الحق، راية المهدي التي وعدهم بها نبيهم في آخر الزمان فهذه هي راية أهل بيت نبيكم فلاتضيعوا حظكم من نصرتها والالتفاف حولها.
وليلتفت السنة إلى ان هؤلاء التكفيريون لايستحلون دماء الشيعة فقط بل هم يكفرون بقية السنة ويستحلون دماءهم، وماحصل ويحصل في ليبيا من هدم أضرحة الصوفية وقتل من يحميها من السنة الأشاعرة والصوفيين، وماحصل في مصر من قتل حرس الحدود في سيناء وهم سنة، وماحصل ويحصل في العراق والصومال خير شاهد على أن هؤلاء الوهابيون قد مرقوا من الدين وهم خوارج آخر الزمان الذين حذر رسول الله محمد (ص) من فتنتهم، هؤلاء الوهابيون الذين يقودهم الجهل مسلوبي العقول والشرف والغيرة وخير دليل على هذا هو مافعلوه – على رؤوس الأشهاد – مؤخرا في باكستان عندما هاجموا بالأسلحة النارية طالبة مدرسة مسكينة لأنها ترفض أن تترك التعليم، فحقيقة العجب لاينقضي عندما يخضع لهم بعض شيوخ السنة ويقومون بمهاجمة التشيع لآل محمد (ع) إرضاءا لهؤلاء الوهابيين القتلة خوارج آخر الزمان.
أرجو من الله أن تجد هذه الدعوة عند العقلاء والباحثين عن الحق صدى وينتفعوا منها اليوم ويبادروا لمصافحة هذه اليد التي مدها الله لهم كي لايندموا غدا إن وجدوا وقتا للندم، فبعض حكام أو طواغيت الدول العربية لم يجدوا وقتا للندم.
ورجائي أن شيعة آل محمد (ع) يصطفون تحت هذه الراية فهي راية الحق الوحيدة البارزة، والمنادية بالحق، الراية الوحيدة التي لم تداهن ولم تدخل فيما دخل فيه أهل الباطل، ومُخطأ من شيعة آل محمد (ص) من يُعوِل على هؤلاء الذين أيديهم صفرات من الدليل سواء الشرعي أم العقلي على مايدعون من وجوب تقليد ونيابة، مُخطأ من يُعوِل على هؤلاء الذين لايثقون ببعضهم بعضا وكل واحد منهم اخذ مجموعة من شيعة آل محمد (ص) وحزَّبَهم لنفسه دون أن ينصبه الله، حتى فرقوا شيعة آل محمد (ع) شيعا وجعلوهم لايكادون يلتقون حتى في تحديد يومي العيدين فكيف يُعَوَل على مثل هؤلاء في قضية كبرى وفتنة عظمى تجعل الولدان شيبا، كيف يمكن أن يُعَوَل على هؤلاء وانتم ترونهم عندما تدخلوا في السياسة والحكم في العراق مثلا كانوا انحس من بصقة مسيلمة، فقد طلب منه أتباعه أن يبارك بئرا قليلة الماء فبصق فيها ليزداد ماءها فجفت.
أيها الناس فليختار كل مؤمن بالله طريقه بدقة وبحذر فيمكنه أن يكون جزءا من المشروع الشيطاني ويبوء بغضب الله ويمكنه أن يكون جزءا من المشروع الإلهي المهدوي وينصر الحق وينصر راية البيعة لله، راية حاكمية الله، راية يوم الغدير المباركة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

احمد الحسن
يوم حاكمية الله
يوم الغدير المبارك
1433 هـ.ق