تفاصيل التشريع ممكن أنْ تتغير في مسيرة الدين الإلهي دائماً، سواء في تعاقب الرسل أو حتى خلال مبعث رسول واحد مثل محمد (صلى الله عليه وآله)، فخلال المسيرة الرسالية للرسول محمد (صلى الله عليه وآله) حصل نسخ لأحكام أقرها هو (صلى الله عليه وآله) أول مبعثه، مثل عدة المرأة المتوفى عنها زوجها كما هو ثابت في القرآن:
فقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة:240].
وأيضاً قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234].
وقد بيّن القرآن مسألة تبدل التشريع بوضوح بآيات؛ منها قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13].
أو حتى يمكن أنْ تكون هناك تشريعات بعض أهدافها تمحيص الناس وإفراز سفيههم عمّن يطلب الحق منهم، ففي حين أنّ قبلة الأحناف في مكة هي الكعبة كانت قبلة الرسول وصلاته إلى بيت المقدس حيث قبلة اليهود، ولما ذهب للمدينة حيث اليهود وقبلتهم بيت المقدس نجد أنّ الله جعل قبلته الكعبة، ولو كانت في مكة قبلته الكعبة لكان الإيمان أهون على الأحناف. فأكيد أنّ اتخاذ محمد (صلى الله عليه وآله) قبلة اليهود كان أمراً ثقيلاً على الأحناف في مكة؛ لأنّ قبلتهم هي الكعبة، وأيضاً اتخاذ محمد (صلى الله عليه وآله) الكعبة كقبلة أمر ثقيل على النصارى واليهود في المدينة؛ حيث إنّ قبلتهم بيت المقدس.
قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: 143].
قال الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 144].
قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 145].
إذن، فالتشريع الإلهي قابل للنسخ والتغير والتبدل، وهناك أسباب كثيرة قد تؤدي إلى النسخ والتغيير؛ منها الظروف المحيطة بالمجتمع الإنساني في هذه الأرض.
أيضاً: التشريع بعضه مخوّل للرسل، فما يشرعه الرسول ضمن حدود ما خوله الله سبحانه وتعالى يرضاه الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 93]، فواضح من الآيات أنّ هناك أموراً حرّمها نبي الله يعقوب (عليه السلام).
ولا يحق لأحد غير الله ومن خوّله من رسله أنْ يشرع، فالدين لله وهو سبحانه يتكفل دينه، ولا يحق لأحد التصدي للتشريع في دين الله تبرعاً وتطفلاً، وقد ناقشت هذا الأمر فيما تقدم في مبحث آية إكمال الدين.
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)