قسم البراءة طرحته لهم على أني أقسم لكبرائهم (مراجعهم) إن طلبوا ذلك مني بشرط التصديق بالدعوة، وهذا أكيداً يتحقق إن كانوا يؤمنون بقسم البراءة ونزول العذاب بالكاذب خصوصاً إن كان الأمر ادعاء الإمامة التي ورد أن الهلاك حصة مدعيها كذباً وإن بعد حين حتى بدون أن يقسم؛ لأن في إمهاله إغراء للناس، خصوصاً مع إيراده الأدلة والحجة، ولذا قال تعالى تأكيداً لهذا الأمر: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾الحاقة: 44 – 46.
فإذا كان مدعي المنصب الإلهي يهلكه الله إن كان متقولاً كاذباً، فكيف مع قسمه قسم البراءة هذا ما ابتغينا إفهامهم إياه كدليل على الحق وصاحب الحق، فمع شدة طلبهم وكثرة من يعينهم – ومعلوم أن حتى أمريكا معهم أخزاهم الله – فقد نجانا الله من القوم الظالمين بفضله، ووالله أقسم بعزة ربي وجلاله أن لقاء ربي أحب شيء إلى قلبي وأن الموت عندي كشربة ماء بارد في شدة الحر والعطش.
هذا ما أردته من القسم أو قسم البراءة بالخصوص أي أن أقسم لهم.
فالقسم عادة يكون ممن يدعي أمراً ما فيكذبه الناس فيقسم لهم على أنه صادق، ولذا أقسم الله سبحانه للناس على صدق رسالة الرسول محمد (ص)، فقال تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ الذاريات: 23.
أما أن يأتي شخص يريد أن ينكر دعوة ويكذبها فيجعل القسم دليلاً على بطلانها فهذا السفه بعينه، حيث أن الصحيح أن يبحث في أدلة الدعوة وينظر هل هي تامة وحجة بالغة أم لا، فإن قرر الإنكار فعليه أن يأتي بالدليل القاطع على الإنكار والتكذيب؛ لأنه يحتاج أن ينقض الدليل، وإلا كان محجوجاً عند الناس العقلاء وعند الله سبحانه حيث أنه كذب بما لم يحط بعلمه مع تمام الحجة التي لم ينقضها، وربما إن بعضهم حتى بدون أن يسمع الحجة التامة يكذب.
قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾يونس: 39.
فنحن قد جئناهم – علماء الشيعة غير العاملين- بما في كتبهم فكفروا بوصية رسول الله محمد (ص) وروايات الأئمة (ع) فصدق عليهم قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾البقرة: 101، وأنا أقول لهم: لو لم يكن يعلم المؤمن بهذه الدعوة إلا بوصية رسول الله (ص) فتكفيه حجة تامة أمام الله سبحانه وتعالى، فيكفي أن يكتبها على كفنه لتكون حجة أمام الله، فهل تنكرون حجة من احتج بوصية محمد (ص) ؟ فما بالكم والأدلة على هذه الدعوة من روايات الرسول والأئمة (ع) من كتب كل فرق المسلمين كثيرة جداً حتى آمن الشيعي والسني والوهابي والإسماعيلي والعلوي وغيرهم، فالأولى بالمكذبين إن كانوا على الاعتقاد الحق المرضي عند الله كما يدعون أن يردوا على الأدلة التي جاءت بها دعوة الحق، ويثبتوا صحة اعتقادهم الذي نسفته هذه الدعوة وبينت بكل وضوح أنهم في ضلال مبين، مبين حتى للأنعام ولكن ماذا نعمل لمن وصفهم تعالى بقوله: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ الفرقان: 44.
وعلى كل حال إن كانوا يؤمنون بالعقاب والهلاك إن وقع بمن أقسم أو باهل فليؤمنوا لهلاك حيدر مشتت، ولكن أنى لهم هذا وهم شياطين تستفزهم شياطين ويتقافزون كالقردة كلما سمعوا بهذه الدعوة ليجلي الله مسخهم قردة لكل عاقل يعي آيات الله، ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ الأعراف: 166.
أحمد الحسن
7/ شهر رمضان المبارك/ 1429 هـ
المصدر: الجواب المنير ج4 س304