الدلالات على إمامـة أول الأئمـة وهو علي (ع) أكثر من أن تحصى؛ ومنها قول النبي (ص) فيه: (أقضاكم علي (ع))، و(سلموا عليه بإمرة المؤمنين)، و(أنت الخليفة من بعدي)، و(أنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي)،
و(أنت مني بمنزلة هارون من موسى) [مسند أحمد: ج1 ص179، و: ج6 ص396، صحيح مسلم: ج7 ص120، ورواه البخاري باختلاف يسير: ج4 ص208]، وهارون كان خليفة موسى في حياته.
ونفسه كنفس النبي في القرآن في آية المباهلة، قال تعالى:
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران:61].
وأجمع المفسّرون أنّ النبي أخرج علياً وفاطمة والحسنين. وفاطمة (ع) هي النساء؛ لأنها سيدة نساء الأولين والآخرين، قال تعالى في إبراهيم إنّه أمة مع أنه شخص واحد. والحسنان هم الأبناء، وهذا لا اختلاف فيه. وعلي هو نفس النبي (ص) [1].
أمّا الادعاء بأنّ النفس في الآية قصد بها نفس النبي (ص) فهذا إتباع هوى وجعل كلام الله سبحانه لغواً حاشا الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً عن اللغو؛ إذ لا معنى لأن يدعو الإنسان نفسه وهي حاضرة عنده.
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: 55].
وأجمع أكثر المفسرين على نزولها في علي (ع) عندما تصدّق بخاتمه وهو راكع [2].
والجمع لإدخال ولده الأحد عشر من بعده فأصبح (ع) وولده الأحد عشر (ع) – وهم ولد النبي من فاطمة (ع) – من بعده أولى بالتصرف بالمؤمنين بعد رسول الله (ص)؛ حيث ولايتهم مشتقة من ولاية رسول الله (ص)، وولايته مشتقة من الولاية الإلهية.
ولما قرنت في هذه الآية بولاية الله فلا معنى لصرفها لغير ولاية الملك والتصرف وتدبير الأمور الدينية والدنيوية،
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].
وأولي الأمر هنا هم الأئمة المعصومون (ع) الاثنا عشر بعد النبي (ص)، ولو كان غيرهم لكان الأمر بالطاعة لمن يعصي أو من يخطئ طاعة مطلقة؛ لأنّها قُرنت بطاعة الله سبحانه، وهذا غير صحيح؛ لأنّ معناه إنّ الله يأمرنا بإطاعة أعدائه، وعلى أقل تقدير فإنّ معناه الأمر بمعصية الله والعياذ بالله.
فتبين أنّ المأمور بإطاعته بعد النبي (ص) هم علي وولده المعصومون (ع). وعصمتهم من الذنوب قد نص عليها القرآن، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: 33].
ونص النبي (ص) على إنّهم علي وفاطمة والحسنان (ع)، كما ورد في تفسير كثير من المفسرين [3].
وقال النبي (ص) في حجة الوداع في غدير خم وقت الظهر: (أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيثما دار)[4].
وفي هذا الحديث أثبت النبي (ص) ولايته لعلي ابن أبي طالب (ع)، والنبي (ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا الحديث متواتر عن النبي (ص) ومصادره بالعشرات من كتب المسلمين أوردوا أن الرسول (ص) طلب من المسلمين مبايعة علي بن أبي طالب (ع) بعد خطبته في حجة الوداع في غدير خم، وقد بايعه أبو بكر وعمر وسلما عليه بإمرة المؤمنين [تاريخ دمشق: ج42ص220، البداية والنهاية: ج7 ص386 وغير ذلك من المصادر التي تعرضت لذكر واقعة غدير خم.]، وسنسأل ويسألون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
المصدر: كتاب التيه او الطريق الى الله – السيد أحمد الحسن (ع)
___________________________________
[1]- أكتفي بما نقله الفخر الرازي، قال: (روي أنه (ع) لما أورد الدلائل على نصارى نجران، ثم إنهم أصروا على جهلهم، فقال (ع): إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم، فقالوا: يا أبا القاسم، بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فلما رجعوا قالوا للعاقب: وكان ذا رأيهم، يا عبد المسيح ما ترى، فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لكان الاستئصال فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم وكان رسول الله (ص) خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي رضي الله عنه خلفها، وهو يقول، إذا دعوت فأمنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، ثم قالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك فقال صلوات الله عليه: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال: فإني أناجزكم القتال، فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة: ألفا في صفر، وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده، إنّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا ،..) تفسير الرازي: ج8 ص85.
[2]- قد صرح كبار علماء العامة بأنها نزلت في علي (ع)، وأكتفي بما ذكره الحاكم الحسكاني والفخر الرازي، فرويا عن أبي ذر الغفاري أنه قال: أما إني صليت مع رسول الله (ص) يوماً من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً. وكان علي راكعا فأومى إليه بخنصره اليمنى – وكان يتختم فيها – فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي فلما فرغ النبي (ص) من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: (سنشد عضدك بأخيك) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليا أخي أشدد به أزري قال أبو ذر: فو الله ما استتم رسول الله (ص) الكلام حتى هبط عليه جبرئيل من عند الله وقال: يا محمد هنيئاً [لك] ما وهب الله لك في أخيك. قال: وما ذاك جبرئيل؟ قال: أمر الله أمتك بموالاته إلى يوم القيامة وأنزل قرآناً عليك : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) شواهد التنزيل: ج1 ص230، الفخر الرازي في تفسيره: ج12 ص26.
[3]- روى أحمد في مسنده: عن شداد أبى عمار قال دخلت على وائلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا فلما قاموا قال لي ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله (ص) قلت بلى قال أتيت فاطمة رضى الله تعالى عنها أسألها عن علي قالت: توجه إلى رسول الله (ص) فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله (ص) ومعه على وحسن وحسين رضى الله تعالى عنهم آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه أو قال كساء، ثم تلا هذه الآية: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي) مسند أحمد : ج4 ص107.
وروى مسلم في صحيحه، فقال: (قالت عائشة خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فادخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء على فادخله، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) صحيح مسلم: ج7 ص130.
وروى الترمذي: عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (ص)، قال: (لما نزلت هذه الآية على النبي (ص): إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويظهركم تطهيراً في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال: أنت على مكانك وأنت على خير) سنن الترمذي : ج5 ص30.
وقال الفخر الرازي: (وروي أنه (ع) لما خرج في المرط الأسود ، فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله ، ثم جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ثم فاطمة، ثم علي رضي الله عنهما ثم قال: ﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً﴾ الأحزاب: 33. واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث) تفسير الرازي: ج8 ص85.
وينقل الثعلبي في تفسيره: (ج8 ص38) عن ابن حجر، قال: (وقال ابن حجر: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) … أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين) الصواعق المحرقة: 143 ط. مصر، وط. بيروت: 220 الباب الحادي عشر ، في الآيات الواردة فيهم، الآية الأولى )، وراجع غير ما تقدم من المصادر.
[4]- قال عبد الرحمن أحمد البكري في كتابه من حياة الخليفة عمر بن الخطاب: (ذكر محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي المتوفى عام 440 هجرية في حوادث شهر ذي الحجة الحرام قال : واليوم الثامن عشر يسمى غدير خم وهو اسم مرحلة نزل بها النبي (ع) عند منصرفه من حجة الوداع، وجمع القتب والرحال وعلاها آخذاً بعضد علي بن أبي طالب (ع) وقال: أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار. ويروى أنه رفع رأسه نحو السماء، وقال: اللهم هل بلغت ثلاثاً) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب: ص321.