أما غير الناس أو الذين نكسوا فطرتهم حتى لم يعد من اللائق أن يسموا ناس، فهؤلاء أكيد لا ينفعهم لا أذان ولا أي شيء آخر.

وبين الناس وبين من نكسوا فطرتهم هناك كثير ممن لوثوا فطرتهم وأنفسهم بقدر ما، فهم يحتاجون لأشياء أخرى غير الإعلان والأذان، وهي ما نسميها بالأدلة لمعرفة خليفة الله أو قانون معرفة الحجة.

ولرحمته سبحانه وتعالى لم يكتف بإرسال الرسل مع أنه فضْل منه سبحانه،
بل أمر رسله بالإعلان عن دعواتهم، رغم ما سيتحمله رسله وأحباؤه سبحانه من أعدائه بسبب هذا الإعلان.
بل ولسعة رحمته سبحانه وتعالى لم يكتفِ بكل هذا حتى أرسل مع رسله الآيات والبينات (الأدلة الواضحة الجلية لكل طالب حق)، حتى لا يبقى عذر لمعتذر ولا حجة لمحتج مهما كان هذا العذر واهناً وهذه الحجة داحضة، ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾[النساء: 165].

فمع أنه – كما بيَّنا – لا حجة حقيقية لهم، ولكنه الكريم الرحيم اعتبرها حجة لهم لعظم كرمه. فأرسل الرسل بالآيات وبالبينات ليقطع دابر هذه الحجة الموهومة. ومع هذا – وللأسف – فهؤلاء المتمردون عديمو الحياء الذين أعطاهم الله الفرصة بعد الأخرى من غير استحقاق، سيطلبون فرصة أخرى، ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾[غافر: 11].

ولكي نتصور المسألة أكثر أضرب هذا المثال: لو كان لديك عمل ما وكلفتَ به شخصاً معيناً، وهو لا يؤديه بسبب إهماله وكسله، وعندما تسأله لِمَ لمْ تؤدي العمل ؟ سيأتيك بأعذار واهية غير حقيقية. فيقول لك مثلاً: أحتاج كذا وكذا لأداء العمل. فأنت لتقطع عليه أعذاره وحججه الواهية – مع علمك بأنها أعذار واهية كاذبة – تحقق له مطالبه، وهكذا كأنك اعتبرتها أعذار وحجج حقيقية،
وكما يقول المثل المعروف: اتبع الكذاب إلى عتبة الباب، ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى﴾ [طه: 134].
فالمسألة من هذا الباب ولا يتصور أحد أن للناس حجة حقيقية على الله، سواء أرسل رسل أم لم يرسل، سواء كان مع الرسل آيات وبينات وأدلة، أو كانت أيديهم خالية إلا من ذكر الله.

إذن، فالمطلوب من كل إنسان أن يتذكر ويخلص ليكون نبياً يوحى إليه ويعرف الحقيقة وما يريده منه بارئه سبحانه، فقد فطره الله على هذا وخلقه لهذا وهو ممتحن ليكون هكذا، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56]. ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 282].

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾[الكهف: 110].

ولكن للأسف أكثر الناس يركنون إلى ظلمة هذا العالم الجسماني ويغفلون عن ربهم. فلا يسلك هذا الطريق وهو طريق الوحي إلا قليل، كأنبياء الله ورسله وأوليائه سبحانه.
ففتح الله لبقية بني آدم طريق الواسطة أو الخليفة الذي يوصلهم ويعرفهم، وهكذا ظهر مع فتح طريق الواسطة أصلان آخران مرتبطان بالمستخلف الواجب معرفته سبحانه، وهما الخليفة والرسالة التي يحملها للتعريف.

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)