هناك أمور لابد من معرفتها لنفهم كيف تكون الرجعة:

أولاً: الإحساس بالتحوّل أو التغير مسألة نسبية، فالحقيقة إننا نحس بتغير الأشياء حولنا عندما نتعرض نحن وهي لتغيرات مختلفة سواء مكانية أم زمانية، لكن عندما نكون نحن والأشياء من حولنا متعرضين معاً لحركة خارج حدود الزمان والمكان، أي بأبعاد أخرى غير هذه الأربعة التي نعرفها ونحسها، فإننا لن نحس بشكل ملموس بأي تغيير من حولنا، ولن نستطيع قياسه مهما كان كبيراً وسريعاً رغم وجوده، والسبب أن هذا التغيير يشملنا نحن وهي جميعاً بنفس القدر.

وليكون الأمر أقرب للفهم: لنتصور أننا نعيش في وسط متحرك بنا، فإننا لن نحس بحركة الأشياء من حولنا وسنعتبرها ساكنة طالما بقيت حركتنا وحركتها الوحيدة هي حركة الوسط بنا جميعاً، كما أننا لن نحس بأي تغيير في الوسط وفي الأشياء الموجودة فيه طالما كان هذا التغيير يشمل كل شيء في الوسط – أي حتى نحن – وبنفس النسبة.

تصور أنّ طولك (1.7m)، وهناك أداة قياس تقيس بها طولك، فلو أنك وأداة القياس تمددتما حتى تضاعف طولكما، فأنت عندما تقيس طولك بأداة القياس نفسها؛ ستجد أن طولك الجديد أيضاً هو (1.7m)، ولن تعلم بزيادة طولك، في حين أن طولك الجديد الحقيقي هو (3.4m).

إذا فهمنا ما تقدم نستطيع أن نفهم أننا والكون الذي نعيش فيه؛ ممكن أن ندخل جميعاً إلى عالم الرجعة أو السماء الأولى دون أن نحس بالتغيير الكبير الذي حصل لأجسامنا أو للأجسام التي حولنا أو حتى للكون الذي نعيش فيه، بل ويمكن أن نفهم أننا وكل الكون الذي نعيش فيه في تغير مستمر، وربما كان هذا التغير كبيراً ولكننا لا نحس هذا التغيير؛ لأنه يحصل لكل شيء بنفس النسبة.

ثانياً: نحن كنّا في الذر أي في السماء الأولى، ونحن ذاهبون إلى الرجعة التي هي أيضاً في السماء الأولى، أي أن هناك حركة للفلك الأعظم الذي يشمل الأكوان والعوالم التي نعيش في أحدها،

[هو انتقال تدريجي وليس حركة، ولكن عبرت عنه بالحركة رغم أنها مقيدة بحدود الأبعاد الأربعة؛ لأنه لا توجد كلمة يفهمها الناس وتعبر عن هذا الانتقال غيرها فالألفاظ التي نتواصل بها مقيدة بالأبعاد الأربعة].

ويجب أن نلتفت إلى أن هذه الحركة هي خارج حدود الزمان والمكان وفي أبعاد أخرى قد لا نحسها ولكنها حقيقية وموجودة، وأثر هذه الحركة كبير جداً في الأكوان وما فيها، ولا يمكن أن نعلم مدى هذا الأثر طالما أننا جزء من هذه الأكوان. فالطريقة الوحيدة التي نعلم بها بهذه التغيرات هي أن نكون نحن خارج هذه الأكوان، عندها سنرى الحقيقة التي ستكون مختلفة تماماً عن الواقع الذي نحسه ونحن في داخل هذه الأكوان.

ثالثاً: أوصاف عالم الرجعة في روايات المعصومين لا تتناسب مع هذا العالم المادي الذي نعيش فيه، فلا مناص عن قبول أن عالم الرجعة هو عالم مغاير، وله قوانين مختلفة عن العالم المادي الذي نعيش فيه.

…. مختصر بصائر الدرجات: «عن موسى الحناط قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم (عليه السلام)، ويوم الكرة، ويوم القيامة»[مختصر بصائر الدرجات – ابن سليمان الحلي: ص18].

…. «عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) لنا: ولسوف يرجع جاركم الحسين بن علي (عليهما السلام) ألفاً فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر»[ مختصر بصائر الدرجات – ابن سليمان الحلي: ص22].

…. «عن عبد الكريم بن عمر والخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: … ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي (عليه السلام) ألف ولد من صلبه ذكراً، وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله» [مختصر بصائر الدرجات – ابن سليمان الحلي: ص27].

…. «ورويت عنه أيضاً بطريقه إلى أسد بن إسماعيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال حين سأل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة: وهي كرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكون ملكه في كرته خمسين الف سنة، ويملك أمير المؤمنين (عليه السلام) في كرته أربعاً وأربعين ألف سنة» [مختصر بصائر الدرجات – ابن سليمان الحلي: ص49.].

…. «عن عبد الله بن نجيح اليماني، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : (كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون). قال: “مرة في الكرة، وأخرى في القيامة”» [بحار الأنوار – المجلسي: ج53 ص120].

…. «عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما يقول الناس في هذه الآية ويوم نحشر من كل أمة فوجاً؟ قلت: يقولون إنها في القيامة. قال: ليس كما يقولون إن ذلك الرجعة أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين إنما آية القيامة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا» [مختصر بصائر الدرجات – ابن سليمان الحلي: ص41 – 42].

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)