المعجزة المادية التي يمكن أنْ تأتي من الله ويقبل الله إيمان من يؤمن بسببها؛ هي المعجزة المادية غير القاهرة، كتحوّل عصا موسى (عليه السلام) إلى ثعبان

[وليس كشق البحر لموسى (عليه السلام)؛ لأن هذه معجزة قاهرة، ولا يقبل إيمان من يؤمن بسببها، كما لم يقبل الله إيمان فرعون عند إيمانه بسبب هذه المعجزة القاهرة، “وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ”]،

وسماع بعض المؤمنين أنين الجذع لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإطعام رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) الخلق الكثير بالطعام القليل، وهلاك بعض من كان في الطف بدعاء الإمام الحسين (عليه السلام)، وانتصار مظلومية الحسين (عليه السلام)، وشفاء بعض المرضى، وغيرها من معجزات الأنبياء والأوصياء،

وهذه المعجزات مشتبهة – بقدرٍ ما – على أكثر الناس الذين واجهوها؛ حيث لا يمكنهم التمييز – مئة بالمئة – إنْ كان الأمر كما قال فرعون: سحران تظاهرا، أم أنّ ما جاء به موسى معجزة وما جاء به السحرة سحر فقط
[أي كيف للشخص الناظر لعصي السحرة وعصا موسى (عليه السلام) أن يميز ويحكم أن ما فعله السحرة سحراً وما فعله موسى معجزة ؟ فنفس مسألة التهام عصا موسى لعصيهم أو أفعى موسى لأفاعيهم ردها فرعون بسهولة بأنهما سحران تظاهرا (سحران تظاهرا) وأن موسى (عليه السلام) ساحر عظيم، ولهذا تفوق سحره على سحر السحرة (كبيركم)… “فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ” [القصص: 48]. “قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ….” [طه: 71]. “قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ…” [الشعراء: 79]]،

وهذا يعني أنّ المعجزة – غير القاهرة – ليست دليلاً قائماً بذاته، وإنما هي مؤيد ودليل داعم للنص.

أما من يعتبرون المعجزة غير القاهرة دليلاً قائماً بذاته؛ فغاية ما يحتجون به هو:
إنّ المعجزة لو أجريت على يد المبطل لكانت إضلالاً للناس، وهو أمر لا يصدر من الحكيم المطلق.
ولكنهم لم يلتفتوا إلى أنّ الكلام في نفس إثبات كونها معجزة للناس الذين يواجهونها، فالأمر مشتبه وفيه لبس كما نص القرآن [ “وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ” [الأنعام: 9]]، وكما بيّنت وكما هو بيِّن في كل معاجز الأنبياء التي وقعت أمام غير المؤمنين والتي هي موضوع البحث كعصا موسى (عليه السلام).

إذن، موضع المعاجز في دين الله هو أنها مؤيد ودليل غير مستقل بذاته، بل بانضمامه إلى غيره، أي أنها لو أتت مع الدليل القائم بذاته، فستكون زائدة عن الحاجة، وموضعها في دين الله سيكون لزيادة اليقين، وحث الناس على الإيمان بخليفة الله في أرضه الذي أتى بالدليل (النص).

هذا يعني أيضاً أنّ طريق معرفة الإمام المهدي الغائب منذ أكثر من ألف عام مسدود عند من دليلهم عليه هو أنْ يأتيهم بالمعجزة.

المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)