هل ان الله سبحانه وتعالى وضع قانوناً يعرف به داعي الحق في كل زمان وهو حجة الله على عباده وخليفة الله في أرضه وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، والإيمان به والتسليم له هو الإيمان بالله والتسليم لله والكفر به والالتواء عليه، هو الكفر بالله والالتواء على الله.
أم أن الله ترك الحبل على الغارب (حاشاه سبحانه وتعالى) وهو الحكيم المطلق وقدر كل شيء فأحسن تقديره، ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾الرعد: 8، وهو﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ سـبأ:3.

فالنتيجة، أنّ مقتضى الحكمة الإلهية هو وضع قانون لمعرفة خليفة الله في أرضه في كل زمان، ولابد أن يكون هذا القانون وضع منذ اليوم الأول الذي جعل فيه الله سبحانه خليفة له في أرضه، فلا يمكن أن يكون هذا القانون طارئاً في إحدى رسالات السماء المتأخرة عن اليوم الأول، لوجود مكلفين منذ اليوم الأول، ولا أقل أن القدر المتيقن للجميع هو وجود إبليس كمكلف منذ اليوم الأول، والمكلف يحتاج هذا القانون لمعرفة صاحب الحق الإلهي، وإلا فإنه سيعتذر عن اتباع صاحب الحق الإلهي بأنه لم يكن يستطيع التمييز، ولا يوجد لديه قانون إلهي لمعرفة هذا الخليفة المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى.

والقدر المتيقن للجميع حول تاريخ اليوم الأول الذي جعل فيه الله خليفة له في أرضه هو:

إن الله نص على آدم وانه خليفته في أرضه بمحضر الملائكة (ع) وإبليس.
بعد أن خلق الله آدم (ع) علَّمه الأسماء كلها.
ثم أمر الله من كان يعبده في ذلك الوقت الملائكة وإبليس بالسجود لآدم.

قال تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾البقرة:30، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾البقرة:31، ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾الحجر:29، ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً﴾الكهف:50.

هذه الأمور الثلاثة هي قانون الله سبحانه وتعالى لمعرفة الحجة على الناس وخليفة الله في أرضه وهذه الأمور الثلاثة قانون سَنَّه الله سبحانه وتعالى لمعرفة خليفته منذ اليوم الأول، وستمضي هذه السنة الإلهية إلى انقضاء الدنيا وقيام الساعة.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾الأحزاب:62.
﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾الفتح:23.

كما أنه وببساطة: أي إنسان يملك مصنعاً أو مزرعة أو سفينة أو أي شيء فيه عمال يعملون له فيه، لابد أن يُعيِّن لهم شخصاً منهم يرأسهم، ولابد أن ينص عليه بالاسم وإلا ستعمّ الفوضى، كما لابد أن يكون أعلمهم وأفضلهم، ولابد أن يأمرهم بطاعته ليحقق ما يرجو، وإلا فإن قَصَّر هذا الإنسان في أيٍ من هذه الأمور الثلاثة فسيجانب الحكمة إلى السفه، فكيف يُجِّوز الناس على الله ترك أيٍ من هذه الأمور الثلاثة وهو الحكيم المطلق ؟!!

وإذا تعرضنا إلى هذا القانون الإلهي بشيء من التفصيل نجد أن النص الإلهي على آدم (ع) تحول إلى الوصية لعلة وجود الخليفة السابق، فهو ينص على من بعده بأمر الله سبحانه وتعالى، وهذا من ضمن واجبه كخليفة لله في أرضه قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾النساء:58.
أما تعليم الله سبحانه لآدم الأسماء فالمراد منه معرفته بحقيقة الأسماء الإلهية، وتحليه بها وتجليها فيه، ليكون خليفة الله في أرضه. وهو (ع) أنبأ الملائكة بأسمائهم أي عرَّفهم بحقيقة الأسماء الإلهية التي خُلقوا منها، فالله سبحانه عرَّف آدم كل الأسماء الإلهية وبحسب مقامه (ع)، أما الملائكة فلم يكن كل منهم يعرف إلا الاسم أو الأسماء التي خُلق منها، وبهذا ثبتت حجية آدم (ع) عليهم بالعلم والحكمة.
والأمر الثالث في هذا القانون الإلهي هو أمر الله سبحانه وتعالى للملائكة وإبليس بالسجود لآدم، وهذا الأمر هو بمثابة ممارسة عملية للخليفة ليقوم بدوره كمستخلف، وممارسة عملية لعمال الله سبحانه (الملائكة) ليقوموا بدورهم كعمال ومتعلمين عند هذا الخليفة (آدم (ع)).
وهذا الأمر ثبّت أن حاكمية الله وملك الله في أرضه يتحقق من خلال طاعة خليفة الله في أرضه.
وهكذا فإن جميع المرسلين ومنهم محمد (ص) كانوا يحملون هذه الراية: (البيعة لله، أو حاكمية الله، أو الملك لله)، ويواجهون الذين يقرون حاكمية الناس ولا يقبلون بحاكمية الله وملكه سبحانه وتعالى. وهم دائماً متهمون بسبب هذه المطالبة وهذه المواجهة، فعيسى (ع) قيل عنه إنه جاء ليطلب ملك بني إسرائيل ليس إلا، وقيل عن محمد (ص): (لا جنة ولا نار ولكنه الملك) أي أنّ محمداً جاء ليطلب الملك له ولأهل بيته، وقيل عن علي (ع) إنه حريص على الملك.
والحقيقة، أنه من تابع أحوال عيسى أو محمد (ص) أو علي (ع) يجد أنهم معرضون عن الدنيا وزخرفها وما فيها من مال أو جاه، لكن هذا هو أمر الله لهم بأن يطالبوا بملكه سبحانه وتعالى، ثم هم يعلمون أن الناس لن يسلموهم الملك بل سيتعرضون لهم بالسخرية والاستهزاء والهتك ومحاولة القتل أو السجن، فهذا شبيه عيسى (ع) يلبسونه تاجاً من الشوك وهم يسخرون منه قبل صلبه، وعلي (ع) يُكسَر باب داره ويُكسَر ضلع زوجته الزهراء (ع) ويُجر من داره والسيوف مشرعة بوجهه، وموسى بن جعفر (ع) الذي حدد فدكاً بأنها الملك وخلافة الله في أرضه يسجن حتى الموت، ومع هذا فانّ كثيراً من الجهلة جعلوا ما تشابه عليهم من مطالبة صاحب الحق بملك الله سبحانه وتعالى عاذراً لسقطتهم، وهم يصرخون بوجه صاحب الحق الإلهي إنه جاء ليطلب الملك ليس إلا، والحق إنه لو كان خليفة الله في أرضه طالباً للدنيا أو الملك لما طالب به أصلاً وهو يعلم أن هذه المطالبة ستكون حتماً سبباً لانتهاك حرمته والاستهزاء والتعريض به على أنه طالب دنيا.
ثم لسلك طريقاً آخر يعرفه كل الناس ولكنهم يتغافلون، وهو طريق كل أولئك الذين وصلوا إلى الملك الدنيوي بالخداع والتزوير أو القتل والترويع، فعلي (ع) يطالب بالملك ويقول أنا وصي محمد وأنا خليفة الله في أرضه، وفي المقابل ذاك الذي وصل إلى الملك الدنيوي أبو بكر بن أبي قحافة يقول: أقيلوني فلست بخيركم.
فهل أن علياً طالب دنيا أو أن ابن أبي قحافة زاهد بالملك الدنيوي وهو الذي أنكر حق الوصي (ع) وتنكر لوصية رسول الله (ص) لأجل الملك الدنيوي ؟! ما لكم كيف تحكمون؟!.
والوصية بالخصوص جاء بها كل الأوصياء (ع) وأكدوا عليها، بل وفي أصعب الظروف نجد الحسين (ع) في كربلاء يقول لهم ابحثوا في الأرض لا تجدون من هو أقرب إلى محمد (ص) مني (أنا سبط محمد الوحيد على هذه الأرض)، هنا أكد (ع) على الوصية والنص الإلهي ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾آل عمران:34، فالذين يفهمون هذه الآية يعرفون أن الحسين (ع) أراد أن الوصاية محصورة به (ع) لأنه الوحيد من هذه الذرية المستخلفة.

والآن، نعود إلى يوسف لنجد:

الوصـية:
في قول يعقوب (ع) ليوسف (ع): ﴿وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾يوسف:6.
فيعقوب يبين أن يوسف (ع) وصيه وأنه امتداد لدعوة إبراهيم (ع) وبكل وضوح.
وفي قول يوسف (ع): ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾يوسف:38، فيوسف (ع) يؤكد انتسابه إلى الأنبياء (ع) وأنه الخط الطبيعي لاستمرار دعوتهم (ع).

العلـم:
في قوله: ﴿قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾يوسف:37.
وفي قوله: ﴿… تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾يوسف: 47-49.
وفي قوله: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾يوسف:55.

البيعـة لله:
في قوله ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾يوسف: 39-40.

إضاءة
بعد أن عرفنا وجود قانون إلهي لمعرفة خليفة الله في أرضه، وهو مذكور في القرآن الكريم، بل وجاء به كل الأنبياء والمرسلين (ع)، ويوسف (ع) أيضاً جاء به، نحتاج أن ننتفع ونعمل بهذا القانون الإلهي في زمن الظهور المقدس (زمن يوسف آل محمد (ص))؛ لأن من لا يعمل بهذا القانون يكون من أتباع إبليس (لعنه الله) كما تبين.
وأنت تجد حتى في الإنجيل أن عيسى (ع) يؤكد على أن الأنبياء السابقين من بني إسرائيل قد ذكروه وبشروا به وأوصوا به، وكذا جاء بالعلم والحكمة، وأيضاً رفع راية البيعة لله وطالب بملك الله وحاكميته. ومحمد أيضاً أكد هذا الأمر وبيَّن أن الأنبياء السابقين ذكروه وبشروا به وأوصوا به، وأنه مذكور في التوراة والإنجيل، وجاء (ص) ليُعلِّم الكتاب والحكمة، ورفع راية البيعة لله، وطالب بملك الله وحاكميته سبحانه وتعالى في أرضه.
وكذا آل محمد (ص)، وتوجد أكثر من رواية عنهم (ع) أكدوا بها هذا القانون الإلهي، لكي لا يضل شيعتهم. ولكن للأسف مَنْ يدَّعون أنهم شيعتهم اختاروا في آخر الزمان الكفر بروايتهم والإعراض عنها وعن القرآن الكريم، واتباع العلماء غير العاملين، فأضلوهم وخلطوا عليهم الحق بالباطل، فلم يعد عندهم قانون لمعرفة الحجة من الله وخليفة الله، مع أن هذا القانون الإلهي لمعرفة الحجة من الله وخليفة الله والوصي الذي يمتحن به الناس موجود في القرآن الكريم، وقد بينته بوضوح لعل من يدعون أنهم شيعة آل محمد، وعامة أصحاب الأديان الإلهية، يلتفتون إلى هذا القانون فينقذون أنفسهم من النار.

إذن، فصاحب الحق الإلهي الوصي المعزي لأنبياء الله ورسله، الذي يأتي في آخر الزمان إذا جاء بهذه الأمور الثلاثة، وهي:

الوصية: أي أن الماضين (ع) أوصوا به ونصوا عليه بالاسم والصفة والمسكن، كما كانت الوصية بالرسول محمد من الأنبياء الماضين (ع) باسمه، وبصفته أنه راكب الجمل، وبمسكنه فاران أي مكة وما حولها (عرفات)، والروايات الدالة على الوصي في آخر الزمان باسمه وصفته ومسكنه كثيرة.

وجاء أيضاً بالعلم والحكمة كما جاء رسول الله (ص) محمد بالعلم والحكمة، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾الجمعة:2، وهذا الرسول هو محمد بن عبد الله (ص) المرسل في الأوليين من هذه الأمة.
ثم يقول تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾الجمعة:3، وهذا الرسول في الآخرين هو المهدي الأول من ولد الإمام المهدي (ع)، ومرسله هو الإمام المهدي (ع)، وأيضاً يعلمهم الكتاب والحكمة مما جاء به رسول الله محمد (ص)، وكان اسمه (ص) في السماء أحمد، والمهدي الأول اسمه في الأرض أحمد وفي السماء محمد، فهو صورة لرسول الله محمد (ص) ويبعث كما بُعث محمد (ص)، ويعاني كما عانى محمد (ص)، فلابد من وجود قريش وحلفائها وأم القرى والهجرة والمدينة وكل ما رافق دعوة رسول الله محمد (ص)، فقط المصاديق والوجوه تتبدل إنما هي وهم كتلك وأولئك.

أما الأمر الثالث: وهو المطالبة بحاكمية الله والملك الإلهي، فلابد أن يتحقق في الواقع المعاش بشكل يتوضح فيه صاحب الحق الإلهي وحكمته وعلمه ومعرفته بعاقبة الأمور. والحمد لله تم هذا بفضل الله سبحانه وتعالى، فكل أولئك العلماء غير العاملين دعوا إلى حاكمية الناس والانتخابات وشورى وسقيفة آخر الزمان إلا الوصي بفضل من الله عليه لم يرضَ إلا حاكمية الله وملك الله سبحانه، ولم يحد عن الطريق الذي بيَّنه محمد وآل محمد (ع)، أما العلماء غير العاملين فقد خرجوا وحادوا عن جادة الصواب، وتبيَّن بفضل خطة إلهية محكمة أن رافع راية رسول الله محمد (ص) (البيعة لله) هو فقط الوصي.
أما مَنْ سواه فهم قد رفعوا راية الانتخابات وحاكمية الناس وهي بيعة في أعناقهم للطاغوت وبملئ إرادتهم، بل وهم قد دعوا الناس لها، وانخدع الناس بسبب جهلهم بالعقيدة التي يرضاها الله سبحانه وتعالى، مع ان أهل البيت (ع) قد بيَّنوا هذا الأمر بكل وضوح وجلاء، ودم الحسين في كربلاء خير شاهد على ذلك، وإن كانت فاطمة الزهراء (ع) لما نحى القوم الوصي علي (ع) خاطبتهم قائلة: (أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً وزعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً، واطمأنوا للفتنة جأشاً وابشروا بسيف صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وزرعكم حصيداً. فيا حسرتي لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)معاني الأخبار – للصدوق : ص355.
فهم اليوم علموا بأنفسكم غُبَّ ما سَنّوا، واحتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً.
فهل هذا الحال الذي أنتم فيه عذاب من الله سبحانه أم لا ؟!!!
في قرارة أنفسكم تقرون أنه عذاب من الله، ولكن تخافون أن تقروا بألسنتكم لئّلا يقال لكم: فهذا أحمد الحسن مرسل من الإمام المهدي (ع) وهذه رسالة إلهية، والله يقول: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾الإسراء:15.

المصدر:  كتاب إضاءات من دعوات المرسلين ج3 ق2 – السيد أحمد الحسن ع