وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما
“…..فأجابني (ع): (الخلافة لا تعني الحكم فقط، بل الحكم أهون شيء فيها، خليفة فلان الحقيقي ماذا يعني ؟ الخليفة هنا تعني أنه الخليفة الحقيقي. اقرأ رد الملائكة بتدبر؛ لأنهم كانوا يعرفون ماذا أراد الله بالخليفة).
فقلت: نعم مولاي، أتعلم منك بفضل الله.
فقال (ع): (المراد بالخليفة هنا هو من يقوم بمقام من استخلفه، ولذا فالملائكة تجدهم تكلّموا بالتسبيح والحمد والتقديس، (نسبحك، نحمدك، نقدسك) التسبيح أي التنزيه، الحمد هو الثناء، التقديس هو الطهارة. فمن يسبح الله يطلب هو أن يُسبَّح، ومن يحمد الله يطلب هو أن يكون محموداً، ومن يقدس الله يطلب هو أن يتقدس. فالملائكة قالوا لماذا لا تجعلنا نحن خلفاءك وخصوصاً أننا مثلك الآن مسبحون محمودون مقدسون؛ لأننا سبحناك وحمدناك وقدسناك.
إذن، فالخليفة ليس مجرد شخص تم اختياره عبثاً وحاشا الله، بل لابد من توفر صفة أساسية فيه وهي أن يكون صورة الله في الخلق ، بدون أن يكون صورة لا يكون خليفة، لابد أن يكون كحد أدنى مسبَّحاً محموداً مقدّساً، أو لنقل لابد أن يحمل الحد الأدنى من هذه الصفات. ولذا فالملائكة قالوا: هذا الذي تريد جعله خليفة ﴿يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، إذن هو ليس مثلك، ليس مسبحاً ولا محموداً ولا مقدساً، كيف إذن تجعله خليفة ؟
هم استخدموا معرفتهم بالقانون الإلهي وعارضوه سبحانه وتعالى بقانونه، ولكن الذي وقعوا فيه هو خطأ في تشخيص المصداق، فهم حسبوا أنّ كل روح يركب بجسد من العالم الجسماني وتكون عنده الشهوات سيسقط فيها وترديه، ولكن الله نبههم أني أعلم ما لا تعلمون.
ما هو الذي يعلمه سبحانه وتجهله الملائكة وسيسبب خرق هذه المعرفة لدى الملائكة، وهي أنّ كل روح مخلوق يتصل بجسم مادي وتكون عنده شهوات ينشغل بها، ولا يكون مسبحاً ولا محموداً ولا مقدساً ؟ الذي يعرفه سبحانه وتعالى ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ بينه في الآيات الأخرى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ كلها، ليس بعضها فيقع من جهة جهله ببعضها، هذه المرة كلها ، هذا المخلوق مؤهل لمعرفة كل الأسماء، هذا المخلوق مؤهل أن يكون هو الله في الخلق.
إذن، فهذا المخلوق – وليس غيره – هو فقط الذي يمكن أن يقهر الشهوات وإن ركبت فيه لأنه روح الله ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾، هذا المخلوق مؤهل أن يكون لاهوتاً في الخلق.
ولهذا تجده سبحانه يبين للملائكة ما اشتبه عليهم ويعرفهم بهوية هذا المخلوق لكي يعرفوا أنهم قد وقعوا في خطأ بالتشخيص، وسبب خطأهم أنهم لم يعلموا أو يعرفوا مخلوقاً يعرف كل الأسماء ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.
هنا انكسر الملائكة، وعلموا أنهم وقعوا في خطأ تشخيص المصداق في الخارج ، فهم كما قال أهل البيت (ع) نظروا إلى طينة آدم ولم ينظروا إلى روحه، أي إنهم نظروا إلى تركيب روح في جسد مادي فظنوا أنّ هذه الروح حالها حال كل روح تركب في جسد مادي، فتشغلها الشهوات عن التسبيح والحمد والتقديس، إذن فكيف يكون خليفة وهو غير مسبح ولا محمود ولا مقدس ؟! ولهذا اعترضوا ، فلما عرفوا أنهم أخطأوا في تشخيص المصداق، وإنّ هذه الروح ليس كغيرها ندموا وانكسروا ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.
ولهذا أقول لكم: كم حريٌ بالإنسان أن يتأنى في اتخاذ موقف سلبي أو إيجابي تجاه أمرٍ ما، ما لم يتضح له بجلاء حقيقة هذا الأمر، فالمفروض أن يلجأ الإنسان إلى الله ليعرِّفه ما غاب عنه وبالتالي يكون موقفه فيما يرضي الله. كم مرة تحكمون على أمر ومن ثم بعد مدة ليست ببعيدة يتبين لكم خطؤكم في الحكم ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ )…..”
* * *
مع العبد الصالح