الخمس فريضة إلهية كوجوب الصلاة والصيام والحج وسائر الفرائض الإلهية الأخرى وردت في القرآن الكريم في قوله تعالى:
قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ …﴾ [الأنفال : 41].
في كتاب رسالة في فقه الخمس جاء عن السيد أحمد الحسن (ع):
الخمس للإمام، فله أن يسقطه في زمن ويوجبه في آخر، وله أن يجعل مدة لمحاسبة المؤمن نفسه مالياً فيجعلها الإمام بدل المحاسبة اليومية شهرية أو فصلية أو سنوية كما هو الآن .. الخ.
والخمس فيه حِكَم، منها: إن الإمام إن شاء الله له أن يحكُم فإنه يقيم به شؤون الناس العامة واحتياجاتهم وخصوصاً الفقراء منهم، فبالخمس يتمكن الإمام أن يواسي بين الناس، فيدفع عن الفقراء العوز والحاجة ويحقق العدل بين الناس ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ الحشر: 7.
والآن، إذا تستقرئ أنظمة الدول الاقتصادية تجدها تفرض ضريبة وهي تقريباً بقدر الخمس في كثير من الدول، والضريبة لا أجر فيها ولا ثواب لمن يدفعها، فالذين يكفرون بخليفة الله في أرضه والذين يؤمنون بحاكمية الناس يدفعون رغم أنوفهم؛ لأنّ الدول والحكومات تجبرهم على دفع الخمس تحت عنوان الضريبة ولكنهم يدفعون أموالهم ثم تكون حسرة عليهم؛ لأنهم دفعوها لإقامة حاكمية الناس على الأرض ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ الأنفال: 36.
بينما الله ومن رحمته فرض على المؤمنين أن يدفعوا هذه الأموال نفسها – أي الخمس – وفي نفس الوقت يثيبهم على دفعها ويطهرهم بدفعها ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ التوبة: 103.
الإنسان بإمكانه أن يجعل كل حياته على هذه الأرض عبارة عن طاعة، ويمكنه أن يجعل كل حياته على هذه الأرض عبارة عن معصية، الفرق فقط أن يتبع خليفة الله أو أن يعرض عنه ويلتوي عليه.
وأعلم سددك الله أن الخمس مهم جداً في إقامة الاقتصاد الإسلامي العادل، فالإسلام لا يؤمن بالرأسمالية أو الاشتراكية بل يجعل خمس الاقتصاد بيد شخص مقطوع بأنه زاهد عادل حكيم في التصرف، وبهذا:-
يضمن في الاقتصاد الإسلامي المواساة بين المؤمنين وبين بلاد المؤمنين فلا يكون هناك بلد إسلامي متخم وآخر يئن أهله من وطأة الفقر والحاجة، وبهذا تصلح أمور الفقراء والأيتام والأرامل المالية، ولا يبقى جائع أو عاري أو شخص يعيش في العراء، وهذا ينعكس إيجاباً على الحالة الاجتماعية للمجتمع المسلم، فالتخمة والفقر كلاهما له أثر اجتماعي سلبي أقل ما فيه أنه قد يؤدي إلى تدني الأخلاق الكريمة كالكرم والمواساة والإيثار وبروز أخلاق لئيمة كالفساد الجنسي والحرص الخ.
ولن يبقى المتخم يرتاح لتخمته وبتخمته وهو يرى أنّ هناك فقيراً أو محتاجاً بعد أن يرى هو والمجتمع ككل أنّ هناك شخصاً هو خليفة الله في أرضه ينفق أمواله وهي خمس الأموال لمصلحة عامة الناس وإعالة المحتاجين، وبهذا يكون خليفة الله بإنفاقه أموال الخمس قدوة – بزهده وابتعاده عن زخرف الدنيا رغم امتلاكه لها – يذكر كل متخم ويجعله يحس بالنقص والقصور والصغر وهو ينغمس في زخرف الدنيا ويعيش حياة الترف في حين أنّ هناك فقيراً ومحتاجاً يعاني شظف العيش.
وهذا مهم جداً لإصلاح الناس اقتصادياً كبديل عن القدوة السيئة في المجتمع الإنساني كما هو اليوم – وكما كان دائماً في دولة الطاغوت – الثري المترف الذي يحرص على جمع الأموال – بكل صورة وبلا حدود – ليحقق بها رغباته الشخصية، وبالتالي يكون المجتمع بفقرائه وأغنيائه وللأسف مثله كمثل كلاب تتهارش على جيفة يتخم منها القوي ويجر الضعيف ذيله حولها وهو يعوي من ألم الجوع.
خليفة الله في أرضه كما انه مهم كقدوة دينية وأخلاقية واجتماعية أيضاً هو مهم جدا كقدوة اقتصادية يصلح الله بها أحوال الناس فعند إيمانهم به سيصلح حالهم اقتصاديا ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ الأعراف: 96. فهذه الآية لا تعني فقط المدد الإلهي الغيبي فحسب بل تعني ما قدمتُ من سبب طبيعي مادي لصلاح أحوال الناس الاقتصادية وهو خليفة الله في أرضه وتصرفه العادل والحكيم بخمس المال الذي هو ملك شخصي له وإعطاؤه مثلاً أعلى في الزهد والابتعاد عن الترف وتوفير حاجة المحتاجين.
هذا محور أساسي في الاقتصاد الإسلامي أو الإلهي وأحد أهم أسباب اختلافه عن أي اقتصاد وضعي آخر.
الاقتصاد الإسلامي مرتكز على خليفة الله وبدونه لا يمكن أن يكون هناك شيء اسمه اقتصاد إسلامي أو إلهي يهدف لتحقيق العدالة بين الناس