لدينا جينات وطفر جيني وقانون البقاء للجينة الأفضل أو يمكن أن نقول: للكائن الأفضل، فالفرق بين الجينة والكائن كالفرق بين خريطة بناء البيت والبيت نفسه [فالجينات تمثل الخريطة والكائن الحي يمثل ناتج تنفيذ الخريطة]
وقانون البقاء للجينة المفضلة يصقل هذه الجينات، ونحن نعلم الآن بشكل قطعي أن آلة البقاء الأفضل بالنسبة للحياة الأرضية على الإطلاق هي آلة الذكاء (الدماغ)،
ورغم أن كلفة آلة الذكاء أو الدماغ الاقتصادية عالية جداً على الكائن الحي حيث إنه يحتاج كمية غذاء كبيرة ولكن التطور بالنتيجة مُجبَر على أن يسير بهذا الاتجاه أي أن يطور آلة الذكاء.
فطالما أن الطفر الجيني موجود منذ البداية فلابد أن تتوفر جينات بناء آلة الذكاء (الدماغ مثلاً) عاجلاً أم آجلاً حتى وإن كان الطفر الجيني عشوائياً تماماً.
وبما أن قانون البقاء للجينات الأفضل أو للكائن الأفضل هو الحاكم في عملية التطور، إذن فالنتيجة أننا الآن يمكننا الجزم بأن التطور منذ البداية متجه وهادف لإنتاج جينات آلة ذكاء أو كائن ذكي، فالتطور إذن هادف.
وأعتقد أن هذا الاستدلال التام كافٍ لنقض نظرية د. دوكنز الإلحادية ضمن نطاق الحياة الأرضية القائمة على إن التطور غير هادف على المدى البعيد.
والحقيقة، إننا لو أردنا التوسع في حكمنا المتقدم أكثر ونعمم الحكم على أي نوع حياة يمكن أن نتخيله فيمكننا أن نجزم – بناءً على قانون التطور المعتمد على طفر المتضاعفات أو آلات النسخ وانتخاب الأفضل منها – أن أي حياة سواء كانت كحياتنا الأرضية – مبنية على الماء والكربون والنتروجين والمواد الكيميائية الأخرى – أم كانت في كوكب آخر أو كون آخر ومبنية على الأمونيا بدل الماء، أم على السليكون بدل الكربون – لأنه قادر على تكوين سلاسل طويلة كالكربون – فستكون نتيجتها الحتمية هو إنتاج آلة الذكاء، هذا هو الهدف الحتمي للتطور بحسب القانون الذي نعرفه الآن، ولا يمكن أن تحيد أي حياة أو متضاعفات أو آلات نسخ وتطور عن الوصول إليه عاجلاً أم آجلاً.
مع العلم أن المتوقع من أي حياة أخرى في كوننا الاعتماد على الماء والكربون؛ لأن الماء يعتبر حالة سائلة مثالية لاستضافة الحياة حيث تقل كثافته عند الانجماد ويطفو وبهذا يسمح الجليد للحياة أن تستمر في الماء السائل تحته وهذه العناصر الأربعة الهيدروجين والأوكسجين والنتروجين والكربون هي الأكثر وفرة في الكون والكربون دون غيره قادر على تشكيل سلاسل ضعيفة يمكن أن تكسر بسهولة وهذا مناسب للأيض والحياة بعكس سلاسل السليكون.
هكذا نكون قد وصلنا إلى فصل الخطاب وحسم الخلاف حول إمكان إثبات وجود رب أو إله بحسب نظرية التطور،
فقد أثبتنا للحياة صفة الهدف وأنها هادفة والتطور هادف، وحيث إن صفة الأثر دالة على صفة المؤثر فيثبت للمؤثر صفة أنه هادف ومدرك وعالم، وبهذا أثبتنا وجود مؤثر هادف ومدرك وعالم، وبالنتيجة يثبت وجود رب أو إله
سواء كان هو المؤثر المباشر أم كان المؤثر المباشر أثر من آثاره دال عليه بصفته أيضاً، أي صفة الهادف التي أثبتناها، وهذا بحد ذاته كافٍ لنقض النظرية الإلحادية الحديثة المبنية على أساس أن التطور غير هادف على المدى البعيد.
المصدر: كتاب وهم الإلحاد – السيد أحمد الحسن