إنّ خليفة الله يمكن أنْ ينسى ويسهو في موارد كأي إنسان آخر،
ولا يمكن أنْ ينسى أو يسهو في موارد أخرى مطلقاً لوجود مذكّر خارجي ولحكمةٍ ما.
وهذا القول الرابع هو عقيدة آل محمد (صلى الله عليه وآله)،
ولكن هناك من أضاف أموراً اعتبرها مما لا يصح أنْ يسهو فيه المعصوم؛ كالسهو في بعض تفاصيل العبادة كعدد الركعات الذي وردت فيه روايات عن طريق السنة والشيعة تذكر سهو النبي فيه.
وممّن لهم تصريح بجواز سهو النبي في العبادة أو عدم وجود دليل على نفيه:
الشيخ الصدوق وشيخه محمد بن الحسن رحمهما الله:
«قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي (صلى الله عليه وآله) ويقولون: لو جاز أن يسهو (عليه السلام) في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لان الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة.
وهذا لا يلزمنا، وذلك لان جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي (صلى الله عليه وآله) فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه، لان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم، وليس سهو النبي (صلى الله عليه وآله) كسهونا لان سهوه من الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) سلطان “إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون وعلى من تبعه من الغاوين، ويقول الدافعون لسهو النبي (صلى الله عليه وآله) : إنه لم يكن في الصحابة من يقال له: ذو اليدين، وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر وكذبوا لان الرجل معروف وهو أبو محمد بن عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين وقد نقل عن المخالف والمؤالف، وقد أخرجت عنه أخبار في كتاب وصف القتال القاسطين بصفين.
وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردها إبطال الدين والشريعة. وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي (صلى الله عليه وآله) والرد على منكريه إن شاء الله تعالى» من لا يحضره الفقيه – الصدوق: ج1 ص359 – 360.
والشيخ الطوسي رحمه الله:
قال الشيخ الطوسي في معرض تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام: 68]:
«…. واستدل الجبائي أيضا بالآية على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو والنسيان قال بخلاف ما يقوله الرافضة بزعمهم من أنه لا يجوز عليهم شئ من ذلك. وهذا ليس بصحيح أيضا لأنا نقول إنما لا يجوز عليهم السهو والنسيان فيما يؤدونه عن الله، فأما غير ذلك فإنه يجوز أن ينسوه أو يسهو عنه مما لم يؤد ذلك إلى الاخلال بكمال العقل، وكيف لا يجوز عليهم ذلك وهم ينامون ويمرضون ويغشى عليهم، والنوم سهو وينسون كثيرا من متصرفاتهم أيضا وما جرى لهم فيما مضى من الزمان، والذي ظنه فاسد» التبيان في تفسير القرآن – الطوسي: ج4 ص165.
ومحمد بن الحسن ابن الشهيد الثاني رحمه الله:
حيث قال في معرض كلامه عن أحد الأحاديث في مبحث الزيادة في الصلاة، قال:
«وأمّا الخامس: فالذي أظن أنّ علامات الوضع فيه لائحة، لا من حيث تضمنه سهو النبي (صلى الله عليه وآله) فإنّ نفي ذلك محل كلام بعد ورود معتبر الأخبار ….» استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار – محمد بن الحسن: ج6 ص215.
والسيد الخوئي رحمه الله حيث صرح بعدم وجود دليل يفيد القطع واليقين بنفي السهو عن المعصوم في الموضوعات الخارجية (كأفعال الصلاة والحج)، أي كعدد الركعات المذكور في الروايات أو عدد أشواط الطواف:
«سؤال 1294: ما هي حقيقة الحال في مسألة إسهاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صلاة الصبح، وهل يلزم أن يسهي الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعلم أنه ليس بإله، والله تعالى يقول: (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق)ـ الفرقان ـ 25 ـ 7 إلى آيات أخرى تدل على أنه بشر علاوة على ولادته ووفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم هل يلزم أن يسهي الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتكون رحمة للامة لكي لا يعير أحد أحدا إذا نام عن صلاته، وقد أجرى الله سبحانه كثيرا من أحكامه على أناس آخرين لا على الرسول نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا إذا لا حظنا أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد (أنيم) وليس (نام) والفرق واضح بين الحالتين؟
وهل صحيح أن ذا اليدين الذي تدور عليه روايات الاسهاء أو السهو لا أصل له وأنه رجل مختلق كما يذهب إلى ذلك الشيخ الحر العاملي قدس سره في رسالته التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم عن السهو النسيان؟
الخوئي: القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية، والله العالم» صراط النجاة ج1 مسائل في العقيدة – السيد الخوئي.
ولا شك أنّ الاعتقاد يحتاج لليقين بالمسألة المراد الاعتقاد بها، فتصريح السيد الخوئي بفقدان اليقين في مسألة نفي السهو عن المعصوم في الموضوعات الخارجية، معناه أنّ السيد الخوئي لا يعتقد بهذه العقيدة الباطلة التي يعتقدها غيره. فالسيد الخوئي يقول هنا إنّ نفي السهو عن المعصوم في الموضوعات الخارجية غير متيقن، أي لا يوجد عليه دليل يفيد اليقين.
ويوجد غير هؤلاء من علماء الشيعة ممن لا يعتقدون بعصمة النبي من السهو بالعبادة ولكن فيمن ذكرت كفاية [1].
_____________________
[1] ومن كلام الله على لسان موسى: “قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً”.
وفي تفسير الطبرسي للآية: “لا تؤاخذني بما نسيت”: أي غفلت من التسليم لك وترك الإنكار عليك وهو من النسيان الذي هو ضدّ الذكر.
وفي تفسير الطباطبائي للآية: قوله تعالى: “قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً”: الرهق الغثيان بالقهر والإِرهاق التكليف، والمعنى لا تؤاخذني بنسياني الوعد وغفلتي عنه ولا تكلفني عسراً من أمري، وربما يفسر النسيان بمعنى الترك، والأول أظهر.
وفي تفسير القمي: إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ “قال ثمّ استثنى لأنّه لا يؤمن عليه النّسيان لأنّ الذي لا ينسى هو الله”.
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)