– كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة : 180]
الآية فيها لفظان واضحان في أنّ الوصية فرض واجب عند حضور الموت: (كَتَب، وحقاً على)، فلا يصح أن يعرض عنها صاحب الشريعة؛ لأنّ الإعراض عنها أمر قبيح ، فكيف يعرض محمد (ص) عن الوصية عند الموت مع أنه كان لديه الوقت الكافي لكتابتها حتى بعد أن مُنع من كتابتها على رؤوس الأشهاد يوم الخميس ،
فهل أُعدم رسول الله شاهدين عدلين من الأصحاب مع وجود علي (ع) وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم ممن كانوا يؤيدون كتابة الكتاب ؟!
أم هل أُعدم الوقت وكان عنده قرابة ثلاثة أيام بلياليها ؟!
لا أعتقد أنّ شخصاً يحترم رسول الله (ص) سيقول إنه ترك كتابة كتاب (الوصية) وصفه هو (ص) بأنه عاصم للأمة من الضلال إلى يوم القيامة.
– وكتاب رسول الله عند الاحتضار (الوصية) أمر عظيم أعظم من الصوم والصلاة فرَضَه الله على الرسول بقوله تعالى: (كُتِب، وحقاً على)، ووصفه رسول الله بأنه يعصم الأمة من الضلال إلى يوم القيامة، فكيف يتركه رسول الله (ص) مطلقاً بمجرد أن اعترض عليه جماعة في يوم الخميس ؟!
في الحقيقة أنه أمر عظيم وخطير أن يُتهم رسول الله (ص) بترك كتابة الوصية عند الاحتضار، حيث إنه يمثِّل اتهاماً للرسول بأنه ترك ما أمره الله به مع تمكنه من أدائه والقيام به، فالله يوجب كتابة الوصية على سيد وإمام المتقين محمد مرتين بآية واحدة بقوله: (كتب، حقاً على) ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180]، ويأتي فلان أو فلان اليوم ليقول: إنّ محمداً ترك الوصية التي تُشخِّص الثقلين !!
وهكذا بكل بساطة يتهم رسول الله بأنه يعصي الله؛ لأنّ الوصية الوحيدة المروية لا توافق هواه، ولأنّ فيها ذكر المهديين واسم أولهم، هكذا فقط لأنها لا تعجبه يقول إنّ رسول الله (ص) لم يوصِ، هل هناك اتباع للهوى أبين من هذا ؟!!
– المصيبة أنّ بعضهم يدّعون أنهم يعلمون ما في وصية رسول الله التي لم يكتبها حسب زعمهم وبأنها مجرد تأكيد لبيعة الغدير ولحديث الثقلين المجمل ، ولهذا فهو (ص) لم يهتم لكتابتها ولم يكتبها بعد حادثة الرزية بحسب زعمهم ولو للمساكين الذين يقبلونها كعمار وأبي ذر والمقداد، ولم يكتبها حتى لعلي لتصل لمن يقبلونها بعده لكي لا يضيع ويضل كل من في أصلاب الرجال وتعصم الأمة من الضلال .
ولا أدري من أين علموا أنّ الوصية مجرد تكرار أو تأكيد لحادثة الغدير أو غيرها من الحوادث والأقوال السابقة لرسول الله (ص) كحديث الثقلين المجمل، مع أنه (ص) نبي ورسول من الله والوحي مستمر له، ورسالته لهداية الناس مستمرة حتى آخر لحظة من حياته،
فهل أنّ الله أخبرهم مثلاً أنه لم يوحِ لمحمد قبل احتضاره بيوم أو بشهر أو بشهرين شيئاً جديداً وتفاصيل جديدة تخصّ أحد الثقلين وهو الأوصياء من بعده وأسماء وصفات بعضهم بما يضمن عدم ضلال الأمة إلى يوم القيامة، مع أنّ هذا الأمر موافق للحكمة ؟!
وإذا لم يكن قد أوحى الله لهؤلاء المدعين شيئاً، فلماذا الجزم أنّ الوصية كانت مجرد تكرار لما سبق ولهذا كان الأفضل ترك كتابتها بعد رزية الخميس بحسب زعمهم ؟!!
هل هذا يعني أنّ عمر يقرر لرسول الله أنّ الأفضل عدم كتابة الوصية في يوم الخميس كما يزعم من اعتبروا أنّ اعتراض عمر على كتابة الكتاب كان بتوفيق وتسديد ، وأنتم تقررون لرسول الله أنّ الأفضل عدم كتابة الوصية بعد يوم الخميس ولا تُعدمون القش لإيقاد ناركم، فمن الرسول بربكم محمد بن عبد الله (ص) أم عمر وجماعته، أم أنتم يا من تسميتم بالتشيع ؟
أنا أدعو من يقولون هذا القول إلى التوبة والاستغفار إن كانوا يخافون الله.
فعلّة الوصية عند الاحتضار لخليفة الله والحكمة منها لأنّ الوحي والتبليغ مستمر لخليفة الله في أرضه حتى آخر لحظة من حياته، فوصيته تكون بآخر ما يوحى له فيما يخص أمر خليفة أو خلفاء الله من بعده أو أوصيائه،
ولهذا قال الحكيم المطلق سبحانه: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ..﴾، ولم يقل كتب عليكم الوصية فحسب،
ولهذا بيَّن الرسول محمد (ص) فيما سمي برزية الخميس بأنّ وصيته عند الموت هي العاصم من الضلال لا غير؛ لأنها في تشخيص الثقلين (المـُخلَف العاصم من الضلال) بالاسم والصفة الذي لا يمكن معه أن يحصل الضلال لمن التزم بهذه الوصية إلى يوم القيامة.
وهنا أعيد للتنبيه ولفت الانتباه أنّ قول الرسول في يوم الرزية ـ كما سماه ابن عباسـ (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً) معناه: أنّ ما سبق من التبليغ الذي جاء به الرسول بما فيه القرآن وعلي (ع) الذي بلغ بوصايته مرات عديدة بل والحسن والحسين (عليهما السلام) اللذان شخّصا بحديث الكساء وغيره ، لا يعصم الأمة من الضلال إلى يوم القيامة، بل الذي يعصم الأمة من الضلال هو هذا التشخيص الدقيق للثقلين الذي أُوحي لرسول الله (ص) وأمره الله بتبليغه للناس بوصيته المباركة عند الاحتضار وفي ختام حياته ورسالته المباركة.
– لدينا آية توجب كتابة الوصية عند الاحتضار وبكلمتين دالتين على الوجوب (كتب، وحقاً على)، قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 180]، فمن ينكر كتابة الوصية يتهم الرسول بالمعصية.
ولدينا روايات تدل على كتابة الوصية أو همّ الرسول بكتابة الوصية عند الاحتضار كرزية الخميس المروية في البخاري وما رواه سليم بن قيس في كتابه.
ولدينا روايات موافقة لمحتوى الوصية وهي روايات المهديين الاثني عشر، وهي موجودة في كتب الأنصار ويمكن الرجوع إلى مصادرها عند الشيعة والسنة ، وأيضاً ما رواه الطوسي عنهم (ع) في أنّ اسم المهدي (أحمد وعبد الله والمهدي)، وما رواه السنة من أنّ اسم المهدي يواطئ اسم النبي أي أحمد كما ورد في الوصية.
ولدينا نص الوصية المكتوبة عند الاحتضار وهي مروية في غيبة الطوسي ، ولا يوجد لدينا معارض لنص الوصية. وكل إشكال أتوا به لرد الوصية تم رده وبيان بطلانه.
فكيف يمكن ـ بعد كل هذا ـ لعاقل أن يرد الوصية، وكيف لمن يخاف الآخرة أن يرد الوصية، وكيف لمن يتقي الله أن يرد الوصية ؟!!.
المصدر: كتاب الوصية المقدسة الكتاب العاصم من الضلال – السيد أحمد الحسن (ع)