النبوة بمعناها العام أي معرفة بعض أنباء السماء لا تختص بخلفاء الله في أرضه، بل هي متاحة لكل الخلق وكل من يخلص لله فإنّ الله يمكن أنْ يفتح له باب معرفة بعض أنباء السماء، وبهذا فهو يكون نبياً بهذا المعنى أي عارف ببعض الأنباء من السماء، والنبوة بهذا المعنى حتماً متاحة لكل خلفاء الله صلوات الله عليهم؛ لأنهم سادة المخلصين لله سبحانه وتعالى، وسادة خلفاء الله بعد محمد (صلى الله عليه وآله) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فلا معنى لفهم أنّ ختم النبوة يعني أنهم (صلوات الله عليهم) لا يوحى إليهم.
إذن، فما هو ختم النبوة بعد محمد (صلى الله عليه وآله)؟
في الحقيقة إنّ النبوة الرسالية من الله هي التي ختمت بمحمد (صلى الله عليه وآله)، وسبب هذا الختم هو بعث خليفة الله الكامل محمد (صلى الله عليه وآله)، والوصول إلى غاية الخلق وهي خليفة الله الكامل محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يقوم مقام الله في الإرسال، لهذا افتتحت به النبوة الرسالية منه (صلى الله عليه وآله)، و هذا التغيير حتمي بعد أنْ وصلت النوبة إلى خليفة الله الكامل محمد (صلى الله عليه وآله) الذي مثَّل اللاهوت في الخلق.
خلفاء الله بعد رسول الله محمد – خليفة الله الكامل – لهم مقام النبوة، ولكنهم رسل من محمد (صلى الله عليه وآله)، فمرسلهم والمهيمن على إرسالهم محمد (صلى الله عليه وآله). وهذا المعنى يوضح معنى الروايات التي تنفي نبوتهم والأخرى التي تثبت أنهم يوحى لهم، فالمنفي هو النبوة الرسالية من الله سبحانه وتعالى، وليس مطلق النبوة الرسالية.
في بصائر الدرجات: «حدثنا عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن الحسين بن علي عن علي بن عبد العزيز عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك آن الناس يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجه علياً (عليه السلام) إلى اليمن ليقضى بينهم فقال علي فما وردت علي قضية آلا حكمت فيها بحكم الله وحكم رسوله (صلى الله عليه وآله). فقال: صدقوا.
قلت: وكيف ذاك ولم يكن انزل القرآن كله وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) غائبا عنه؟ فقال: تتلقاه به روح القدس» [بصائر الدرجات – الصفار: ص472].
وفي الكافي: «عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) إِنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) كَانَ مُحَدَّثاً فَقُلْتُ فَتَقُولُ نَبِيٌّ قَالَ فَحَرَّكَ بِيَدِه هَكَذَا ثُمَّ قَالَ أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ أَوْ كَصَاحِبِ مُوسَى أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ أومَا بَلَغَكُمْ أَنَّه قَالَ وفِيكُمْ مِثْلُه» [الكافي – الكليني: ج1 ص269].
ويجب الالتفات إلى أنّ ختم النبوة الرسالية من الله، وافتتاح النبوة الرسالية من محمد (صلى الله عليه وآله) لا يعني أفضلية السابقين؛ لأنّ هذا الأمر بحد ذاته لا يعني أفضلية معينة، حيث إنّ الرسالة من محمد هي رسالة من الله سبحانه وتعالى، فالإرسال السابق من الله ومن خلال محمد (الحجاب الأقرب)؛ لكونه لم يُبعث، والإرسال اللاحق من الخليفة الكامل محمد (صلى الله عليه وآله) وبأمر الله كونه قد بُعث.
وسيأتي الكلام في علم خلفاء الله في أرضه وأنه وحي ساعة بساعة بخصوص ما يحتاجه الناس في أمور دينهم. وهنا أورد رواية في مصدر علمهم تناسب المقام، يبيّن فيها الإمام أنهم رسل من محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن من يعلمهم هو رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله). وبالطبع بالنسبة لخلفاء الله بعد علي بن أبي طالب؛ فإنّ علياً هو باب محمد (صلى الله عليه وآله) مدينة العلم، فلا مانع أنْ يكون هو طريق علمهم أيضاً:
«حدثنا عبد الله بن محمد عن محمد بن الوليد أو عمن رواه عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب عن منصور بن حازم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن عندنا صحيفة فيه أرش الخدش. قال: قلت: هذا هو العلم. قال: إن هذا ليس بالعلم إنما هو اثرة إنما العلم الذي يحدث في كل يوم وليلة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) » [بصائر الدرجات – الصفار: ص344].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)