قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾[الطور: 35].
إنّ العالم (أو العوالم) ليس أزلياً، بل حادث لأنه متغير،
وكل حادث مسبوق بالعدم، فلابد له من محدث، لأن العدم المطلق لا شيئية فيه فهو غير منتج، فيستحيل أن يأتي شيء من لا شيء مطلقاً، أي بمعنى أن يأتي شيء من عدم مطلق.
والكون أو الأكوان أو الوجود الحادث شيء، فلا يمكن أن يكون قد أتى من عدم مطلق.
إذن، فالوجود الحادث (الكون أو الأكوان ) يثبت أنه أتى من وجود أزلي غني عنه وعن غيره.
فنحن إنْ قلنا: إنّ محدثه قديم أزلي غير مسبوق بالعدم أثبتنا وجوده سبحانه.
وإنْ قلنا: إنه حادث، أيضاً لزمه محدث.
ولا يمكن أن يكون هو الأول، لأن معناه أن الشيء موجود ومعدوم معاً.
فإن كان غيره تسلسل
ولا يمكن أن تكون هذه السلسلة غير متناهية من كل حيثية وجهة؛ لأن العالم حادث متناهي وله بداية.
ولما كانت السلسلة متناهية على الأقل من جهة كونها لها بداية، فلابد أن تنتهي إلى مُحدِث أزلي قديم، وبهذا ثبت وجوده سبحانه.
ومرادنا بالأزل، ليس الأزل الزماني، بل هو بمعنى غير المسبوق بالعدم بغض النظر عن بعد الزمان ووجوده من عدمه.
وباللامتناهي المطلق: هو غير المحدود من أي حيثية وجهة، فلا بداية له ولا نهاية، وبغض النظر عن بعد الزمان والمكان ووجودهما من عدمه.
وليس مرادنا هو الـ (ما لا نهاية) في بعض المعادلات مثل:
1+1/2+1/4+1/16………..=2
فالطرف الأيسر للمعادلة صحيح أنه يمتد إلى ما لا نهاية ولكن له بداية، ومثله الكون المسطح فصحيح أن المفروض اتساعه إلى ما لا نهاية ولكن له بداية بدأ منها.
وكون العالم الجسماني أو الكون الجسماني الذي نعيش فيه حادث، قد ثبت حتى بحسب البحوث الفيزيائية الحديثة.
فلو كان العالم الجسماني أزلياً لكان مستقراً متوازناً، لا كما هو حاله الآن من الاضطراب والتغير المستمر.
والمفروض أن الملحدين يلتزمون الآن بحدوث العالم وعدم أزليته؛ لأنهم بحسب ادعائهم تطبيقيون ويقرّون ما يقرّه العلم المادي وقوانينه.
أقول هذا لإقامة الحجة على الملحدين؛ لأنهم يلتزمون بالعالم الجسماني فقط، مع أن الكلام في إثبات حدوث العالم لا يُقصد به العالم الجسماني فقط.
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد احمد الحسن