هناك إشكال يطرحه الملحدون، وهو: ما ذنب من يولد معاقاً، فلو كان هناك إله فهو ظالم؛ لأنه خلق هذا الكائن بإعاقة تسبب له عذاباً شديداً طيلة حياته على الأرض إلى درجة أن بعضهم يعتبر الموت أرحم له من الحياة.
رد الإشكال:
المشاكل الصحية هي نتائج طبيعية؛ لكون جسم الإنسان مجرد جسم حيواني متطور على هذه الأرض، وهو ليس مثالياً ولا محصناً، بل كأي جسم حيواني أو نباتي حي على هذه الأرض، مكون من مواد كيميائية ومعرض للخلل أثناء تكونه، نتيجة خلل جيني مثلاً أو حتى بعد تكونه نتيجة حادث. وبالتالي لا معنى للإشكال،
اللهم إلا أن يقال: لماذا لم يجعل الله الكون مثالياً وينتج حالة مثالية؟
وهذا جوابه بسيط، فالكون المخلوق فيه ظلمة وليس نوراً مطلقاً، والنقص والخلل من لوازم الظلمة، وهو مرافق حتمي لا يمكن تجنبه، فالأمر محال في نفسه. لهذا فهو لا يصدر عن الله سبحانه وتعالى. فمن غير الممكن أن الكون مخلوق مع أنه نور لا ظلمة فيه؛ لأن النور المطلق هو اللاهوت المطلق فقط، وبالتالي فالكون المخلوق لا يكون إلا نور وظلمة. وطالما أن الظلمة فيه فلابد أن نرى تأثيرها كظلمة وهو النقص والعجز والتنافي الذي هو ملازم لكل العوالم المخلوقة.
أما الإشكال بأنَّ حتى ضمن حدود النقص في هذا العالم فإن التصميم الجيني فيه خلل معتد به وظاهر.
فجوابه: إن المباشر للخلق ليس اللاهوت المطلق، بل هم خلق خلقهم اللاهوت المطلق ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: 47].
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾[يس: 71].
ولا يمكن أن يكون للاهوت المطلق أيد هي جزء منه، وإلا لانتقض لاهوته، وبالتالي فأيد الله هم خلق خلقهم الله، وهم باشروا الخلق الأدنى منهم، كالعالم الجسماني موضوع الإشكال، وهذا الوصف شائع جداً، فعادة يقال عن الشخص الذي يقوم بالعمل لشخص آخر أو نيابة عنه بأنه يده، ومقولة أحدهم لآخر: (أنت يدي التي أصول بها) شائع.
[- الاتجاه الثاني: يمكن تصور نظرية التصميم الذكي بحيث إنها توافق التطور وتريد أن تثبت من خلال تركيب وتعقيد ودقة نظام الأجسام الحية وأجزاءها أن الكائنات الحية مصممة والتطور هادف، وبالتالي فهناك وراءه إله يريد الوصول إلى الهدف.
والإشكال على كلا الاتجاهين هو وجود ثغرات كبيرة في التصميم رغم أن المصمم الـمُدعى (الإله) علمه مطلق وقدرته مطلقة، ومن كان كذلك لابد أن يكون تصميمه متكاملاً ولا يحتوي ثغرات كبيرة
كضعف العمود الفقري بالنسبة للإنسان وسبب ضعفه أنه مصمم لجسم منحني وغير مكتمل التصميم لجسم منتصب كجسم الإنسان، ولهذا فكثير من البشر على الكرة الأرضية يعانون آلاماً في الظهر على الأقل في فترة من حياتهم.
أيضاً عصب الحنجرة واستطالته التي يعتبرها بعض المتخصصين في التشريح المقارن خطأ في التصميم وبالتالي فلا يمكن أن تكون مصممة لكل نوع؛ لأنها استطالة بلا فائدة حقيقية بل مضرة حيث تعرض هذه الاستطالة العصب لاحتمالية التعرض للضرر أكثر مما لو كان قصيراً ومختصراً على مقدار الحاجة.
بالنسبة لمن يقولون بالخلق دفعة واحدة لا يمكن رد هذا الإشكال بصورة منطقية حيث إن خطأ عصب الحنجرة خطأ كبير وبالتالي فهو كافٍ لنفي التصميم الذكي للجسم بكل أجزائه لكل نوع،
ولا يمكن أن يفسر هذا الخلل وهو بهذا المستوى من الابتعاد عن التصميم الذكي إلا إذا كان عبارة عن إرث تطوري.
أما بالنسبة لمن يقولون بالتطور ومع هذا يقولون بالتصميم الذكي، فأيضاً
إن قالوا إن المصمم هو اللاهوت المطلق أي علمه مطلق وقدرته مطلقة فيكون الإشكال قائماً؛ حيث إن الأجسام الحية في تصميمها خلل ينفي العلم المطلق للمصمم،
أما إن قالوا كما قال الله في القرآن بأن الخلق أو التصميم والتنفيذ للخلق كان بأيد الله أي بتوسط خلق الله سبحانه عندها يمكن تعليل أن يكون التصميم ليس متكاملاً تماماً، ويمكن تعليل وجود خطأ صغير في التصميم عند بداية التطور توسع نتيجة التطور حتى أصبح إرثاً تطورياً متراكماً يؤشر خطأ واضحاً في التصميم.
ويمثل هذا أيضاً دلالة واضحة على أن الخالق الأصيل هو الله سبحانه الإله المطلق، ولكن الخالق المباشر ليس الله سبحانه وتعالى، بل هم خلق مكرمون باشروا الخلق بأمر الله سبحانه وعكسوا نقصهم كمخلوقات نورانية تحتوي الظلمة؛ لأن النور الذي لا ظلمة فيه هو الله سبحانه وتعالى أحسن الخالقين، الذي خلق العقل الأول محمداً (صلى الله عليه آله) وخلق منه الأنوار الأولى ثم أمرهم بمباشرة الخلق كما يشاء وبحوله وقوته سبحانه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ (المؤمنون ـ الآيات: 12 ـ 14).
انظر إلى المفرد والجمع في الآية أيضاً: (خَلَقْنَا، جَعَلْنَاهُ، خَلَقْنَا، فَخَلَقْنَا، فَخَلَقْنَا، فَكَسَوْنَا، أَنشَأْنَاهُ)، ثم ختمت الآية ببيان أن المهيمن على الخالقين المباشرين للخلق هو الله سبحانه ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، وبيّن الله حال هؤلاء الخالقين وأنهم أيد الله سبحانه أي الذين باشر الله أحسن الخالقين الخلق بواسطتهم ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾(الذاريات ـ الآية: 47).
ربما يقول بعضهم: قد يكون لوضع العمود الفقري للإنسان بهذا الشكل ولخريطة عصب الحنجرة في الجسم بهذه الصورة فوائد معينة في مسيرة التطور أو حتى في مراحل عمرية معينة، وفي الحقيقة إن هذا حتى لو صح بما لا يقبل الشك، فهو أيضاً لا ينفي كون هذه الأمور دالة على أنها إرث تطوري تاريخي وبالتالي فهي تنفي الخلق دفعة واحدة.
وهو أيضاً لا ينفي أنه ليس تصميماً صادراً من عالم قادر مطلق، فبالإمكان تصور وجود تصميم أفضل منه وهذا يعني أنه ليس التصميم الأفضل والأمثل والأتم وبالتالي لا مناص من القبول بما بيّنه الله في القرآن من توسط أيد الله في الخلق] [وهم الإلحاد: ٢٥٩ – ٢٦٠].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)