خليفة الله هو العالم الذي يمكنه الاستغناء عن غيره من الناس، وليس لأحد من الناس الاستغناء عنه وعن علمه؛ لأنّ الله يوحي إليه كل ما يستجد في دين الله، وكل ما يحتاجه أهل زمانه في دينهم. والعلم الواجب هنا هو العلم الديني الذي يكلف خليفة الله بتبليغه للناس، فلابد أنْ يكون خليفة الله متصلاً بالله ويعلمه الله ما يحتاج إليه في تبليغ رسالته وإيصال الدين الحق الذي يرضاه الله للناس، وكل ما يستجد من أحكام إلهية، والقول الفصل وحسم ما يختلف فيه الناس.
ويمكن لمن يطلب الحق أنْ يكون هذا الأمر – أي العلم بما يستجد وقول الفصل وحسم ما اختلف فيه الناس – دليلاً له لمعرفة خليفة الله يعضد دليل النص عليه، ولا يشترط بخليفة الله معرفة علوم استقرائية أو تجريبية أو حتى دينية سابقة كرسالات خلفاء الله الذين سبقوه، وإنما الواجب في علمه أنْ يكون متصلاً بالله ويعلمه الله أولاً بأول ما يحتاجه في رسالته التي يرسله الله بها للناس. وهذا لا يعني أنه لابد أنْ يكون خليفة الله يجهل رسالات خلفاء الله السابقين أو العلوم التجريبية أو الاستقرائية، وإنما فقط لا يجب ولا يشترط فيه أنْ يعلمها أو يعلم كل تفاصيلها. فهو قد يعلمها بالتحصيل أو حتى بإلهام إلهي أو بكليهما عند وجود ضرورة لذلك، أي أنه يتعلم كغيره بالقراءة مثلاً، ولكن الله يمنّ عليه بأنْ يزيده بالإلهام الإلهي باعتباره خليفة الله، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدين، كإثبات وجود الله سبحانه أو الدفاع عن الدين عموماً، أما الاعتقادات الساذجة لبعض الحشوية من وجوب العلم بكل اللغات، أو العصمة باللغة وما شابه من جهالات، كالاتصاف بالتأثير بالحجر، فسيأتي مناقشتها وبيان جهل من يعتقدها.
وربما يضطر خليفة الله للصمت فترة من الزمن من خلافته، ولا يظهر علمه كما هو حال أزمنة الفترات. وقد بيّنتها وبيّنت علّتها، وهو عدم وجود القابل للحق،
أو يصمت لضرورة يريدها الله سبحانه، كأن يؤدي مهمّته الأولى وهي تهيئة من سيستلم خلافة الله من بعده
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ تسليم خلافة الله أمانة كلف بها خليفة الله
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً﴾[النساء: 58]، والمراد هو أنّ تسليم خلافة الله للخليفة اللاحق مهمة لابد أنْ يقوم بها الخليفة السابق بأتم وجه؛ لأنها أمانة إلهية في رقبته، ولهذا فقد يضطر إلى الصمت ربما للحفاظ على حياته، حتى تهيئة بعض ما يخص الخليفة اللاحق أو حتى ولادته، وهذه الروايات تبيّن ذلك:الكليني: « …. عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ، قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) : عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قَالَ إِيَّانَا عَنَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَوَّلُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ الْكُتُبَ وَالْعِلْمَ وَالسِّلَاحَ وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ كَذَا نَزَلَتْ وَكَيْفَ يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَيُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»[الكافي: ج1 ص276].
الكليني: « …. عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامُ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ وَلَا يَخُصَّ بِهَا غَيْرَهُ وَلَا يَزْوِيَهَا عَنْهُ»[الكافي: ج1 ص276].
الكليني: « …. عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ يُؤَدِّي الْإِمَامُ إِلَى الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ وَلَا يَخُصُّ بِهَا غَيْرَهُ وَلَا يَزْوِيهَا عَنْهُ»[الكافي: ج1 ص276].
الكليني: « …. عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها قَالَ أَمَرَ اللَّهُ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ كُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ»[الكافي: ج1 ص277].
الصدوق: «وَرَوَى مُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) : قَالَ قُلْتُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قَالَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ مَا عِنْدَهُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ وَأُمِرَتِ الْأَئِمَّةُ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَأُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ»[من لا يحضره الفقيه: ج3 ص3].
الطوسي: « …. عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) : قَالَ قُلْتُ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ قَالَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ مَا عِنْدَهُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ وَأُمِرَتِ الْأَئِمَّةُ بِالْعَدْلِ وَأُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ»[تهذيب الأحكام: ج6 ص223].
إذن، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ أي يؤدي خليفة الله أو الإمام لمن بعده، وهذا هو تكليفه الأول، لهذا ربما لا يظهر علمه ولا يكلم الناس حتى يتم مهمته الأولى وهي تهيئة من يأتي بعده لتحمّل رسالته الإلهية، وقد حصل هذا الأمر مع الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ الإمام الرضا (ع) لم يظهر علمه حتى أتم تهيئة من يأتي بعده
قَالَ نَعَمْ فَهَلْ تُثْبِتُهُ أَنْتَ
قُلْتُ نَعَمْ إِنِّي أَنَا وَأَبِي لَقِينَاكَ هَاهُنَا وَأَنْتَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَمَعَهُ إِخْوَتُكَ
فَقَالَ لَهُ أَبِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ وَالْمَوْتُ لَا يَعْرَى مِنْهُ أَحَدٌ فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثْ بِهِ مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي فَلَا يَضِلَّ
قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَؤُلَاءِ وُلْدِي وَهَذَا سَيِّدُهُمْ وَأَشَارَ إِلَيْكَ وَقَدْ عُلِّمَ الْحُكْمَ وَالْفَهْمَ وَالسَّخَاءَ وَالْمَعْرِفَةَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَفِيهِ حُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجَوَابِ وَهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِيهِ أُخْرَى خَيْرٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ
فَقَالَ لَهُ أَبِي وَمَا هِيَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي
قَالَ (عليه السلام) يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ غَوْثَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَغِيَاثَهَا وَعَلَمَهَا وَنُورَهَا وَفَضْلَهَا وَحِكْمَتَهَا خَيْرُ مَوْلُودٍ وَخَيْرُ نَاشِئٍ يَحْقُنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الدِّمَاءَ وَيُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ الْبَيْنِ وَيَلُمُّ بِهِ الشَّعْثَ وَيَشْعَبُ بِهِ الصَّدْعَ وَيَكْسُو بِهِ الْعَارِيَ وَيُشْبِعُ بِهِ الْجَائِعَ وَيُؤْمِنُ بِهِ الْخَائِفَ وَيُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْقَطْرَ وَيَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ خَيْرُ كَهْلٍ وَخَيْرُ نَاشِئٍ قَوْلُهُ حُكْمٌ وَصَمْتُهُ عِلْمٌ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَيَسُودُ عَشِيرَتَهُ مِنْ قَبْلِ أَوَانِ حُلُمِهِ
فَقَالَ لَهُ أَبِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي وَهَلْ وُلِدَ
قَالَ نَعَمْ وَمَرَّتْ بِهِ سِنُونَ
قَالَ يَزِيدُ فَجَاءَنَا مَنْ لَمْ نَسْتَطِعْ مَعَهُ كَلَاماً
قَالَ يَزِيدُ فَقُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَأَخْبِرْنِي أَنْتَ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُوكَ (عليه السلام)
فَقَالَ لِي نَعَمْ إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ هَذَا زَمَانَهُ
فَقُلْتُ لَهُ فَمَنْ يَرْضَى مِنْكَ بِهَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
قَالَ فَضَحِكَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ ضَحِكاً شَدِيداً ثُمَّ قَالَ أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي فَأَوْصَيْتُ إِلَى ابْنِي فُلَانٍ وَأَشْرَكْتُ مَعَهُ بَنِيَّ فِي الظَّاهِرِ وَأَوْصَيْتُهُ فِي الْبَاطِنِ فَأَفْرَدْتُهُ وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُهُ فِي الْقَاسِمِ ابْنِي لِحُبِّي إِيَّاهُ وَرَأْفَتِي عَلَيْهِ وَلَكِنْ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ
وَلَقَدْ جَاءَنِي بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ أَرَانِيهِ وَ أَرَانِي مَنْ يَكُونُ مَعَهُ وَ كَذَلِكَ لَا يُوصَى إِلَى أَحَدٍ مِنَّا حَتَّى يَأْتِيَ بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَجَدِّي عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَرَأَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) خَاتَماً وَسَيْفاً وَعَصًا وَكِتَاباً وَعِمَامَةً
فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ لِي أَمَّا الْعِمَامَةُ فَسُلْطَانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السَّيْفُ فَعِزُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمَّا الْكِتَابُ فَنُورُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمَّا الْعَصَا فَقُوَّةُ اللَّهِ وَأَمَّا الْخَاتَمُ فَجَامِعُ هَذِهِ الْأُمُورِ ثُمَّ قَالَ لِي وَالْأَمْرُ قَدْ خَرَجَ مِنْكَ إِلَى غَيْرِكَ
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِيهِ أَيُّهُمْ هُوَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مَا رَأَيْتُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَحَداً أَجْزَعَ عَلَى فِرَاقِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْكَ وَلَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ بِالْمَحَبَّةِ لَكَانَ إِسْمَاعِيلُ أَحَبَّ إِلَى أَبِيكَ مِنْكَ وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَرَأَيْتُ وُلْدِي جَمِيعاً الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ
فَقَالَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) هَذَا سَيِّدُهُمْ وَ أَشَارَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَاللَّهُ مَعَ الْمُحْسِنِينَ
قَالَ يَزِيدُ ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) يَا يَزِيدُ إِنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ فَلَا تُخْبِرْ بِهَا إِلَّا عَاقِلًا أَوْ عَبْداً تَعْرِفُهُ صَادِقاً وَإِنْ سُئِلْتَ عَنِ الشَّهَادَةِ فَاشْهَدْ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَقَالَ لَنَا أَيْضاً وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ
قَالَ فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) فَأَقْبَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَقُلْتُ قَدْ جَمَعْتَهُمْ لِي بِأَبِي وَأُمِّي فَأَيُّهُمْ هُوَ
فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْمَعُ بِفَهْمِهِ وَيَنْطِقُ بِحِكْمَتِهِ يُصِيبُ فَلَا يُخْطِئُ وَيَعْلَمُ فَلَا يَجْهَلُ مُعَلَّماً حُكْماً وَعِلْماً هُوَ هَذَا وَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ ابْنِي ثُمَّ قَالَ مَا أَقَلَّ مُقَامَكَ مَعَهُ فَإِذَا رَجَعْتَ مِنْ سَفَرِكَ فَأَوْصِ وَأَصْلِحْ أَمْرَكَ وَافْرُغْ مِمَّا أَرَدْتَ فَإِنَّكَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُمْ وَمُجَاوِرٌ غَيْرَهُمْ فَإِذَا أَرَدْتَ فَادْعُ عَلِيّاً فَلْيُغَسِّلْكَ وَلْيُكَفِّنْكَ فَإِنَّهُ طُهْرٌ لَكَ وَلَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا ذَلِكَ وَذَلِكَ سُنَّةٌ قَدْ مَضَتْ فَاضْطَجِعْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَصُفَّ إِخْوَتَهُ خَلْفَهُ وَعُمُومَتَهُ وَمُرْهُ فَلْيُكَبِّرْ عَلَيْكَ تِسْعاً فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَقَامَتْ وَصِيَّتُهُ وَوَلِيَكَ وَأَنْتَ حَيٌّ ثُمَّ اجْمَعْ لَهُ وُلْدَكَ مِنْ بَعْدِهِمْ فَأَشْهِدْ عَلَيْهِمْ وَأَشْهِدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً قَالَ يَزِيدُ
ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) إِنِّي أُؤْخَذُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَالْأَمْرُ هُوَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ سَمِيِّ عَلِيٍّ وَ فَأَمَّا عَلِيٌّ الْأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ الْآخِرُ فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) أُعْطِيَ فَهْمَ الْأَوَّلِ وَحِلْمَهُ وَنَصْرَهُ وَوُدَّهُ وَدِينَهُ وَمِحْنَتَهُ وَمِحْنَةَ الْآخِرِ وَصَبْرَهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ هَارُونَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ
ثُمَّ قَالَ لِي يَا يَزِيدُ وَإِذَا مَرَرْتَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَلَقِيتَهُ وَسَتَلْقَاهُ فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ أَمِينٌ مَأْمُونٌ مُبَارَكٌ
وَسَيُعْلِمُكَ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَنِي
فَأَخْبِرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا هَذَا الْغُلَامُ جَارِيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ جَارِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُبَلِّغَهَا مِنِّي السَّلَامَ فَافْعَلْ
قَالَ يَزِيدُ فَلَقِيتُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) عَلِيّاً (عليه السلام) فَبَدَأَنِي
فَقَالَ لِي يَا يَزِيدُ مَا تَقُولُ فِي الْعُمْرَةِ
فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ذَلِكَ الكافي إِلَيْكَ وَمَا عِنْدِي نَفَقَةٌ
فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كُنَّا نُكَلِّفُكَ وَلَا نَكْفِيكَ
فَخَرَجْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَابْتَدَأَنِي
فَقَالَ يَا يَزِيدُ إِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَثِيراً مَا لَقِيتَ فِيهِ جِيرَتَكَ وَعُمُومَتَكَ
قُلْتُ نَعَمْ ثُمَّ قَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ
فَقَالَ لِي أَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَمْ تَجِئْ بَعْدُ فَإِذَا جَاءَتْ بَلَّغْتُهَا مِنْهُ السَّلَامَ
فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَكَّةَ فَاشْتَرَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ ذَلِكَ الْغُلَامَ
قَالَ يَزِيدُ وَكَانَ إِخْوَةُ عَلِيٍّ يَرْجُونَ أَنْ يَرِثُوهُ فَعَادُونِي إِخْوَتُهُ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ
فَقَالَ لَهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَيَقْعُدُ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ بِالْمَجْلِسِ الَّذِي لَا أَجْلِسُ فِيهِ أَنَا
المصدر: كتاب الكافي – الكليني: ج1 ص314 – 315