ولو أنهم غفلوا، فالمفروض أن المتذكر (الرسول) – الذي أرسله الله لهم ليسلك بهم الطريق الذي أضاعوه بغفلتهم – لا يحتاج إلى الكثير ليذكرهم.
بل المفروض أن خليفة الله لا يحتاج أكثر من الإعلان عن نفسه.
والمفروض أن الناس قادرون على التعرف على خليفة ربهم وإلههم الذي يمكنهم الاتصال به ومعه دائماً وسؤاله عن رسوله، هذا هو الأصل إن كانوا أناساً محافظين على فطرتهم وإنسانيتهم وإن كانوا غافلين،
ولهذا بيّن القرآن أن الأنبياء وإبراهيم لم يكونوا يحتاجون أكثر من إعلان دعواتهم، أي الأذان: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾[الحج: 27].
فالآية واضحة؛ أذن يا إبراهيم، والناس يأتوك على عجلة بمجرد أن يعلموا بإعلانك عن دعوة الله التي تحملها، لأنهم سيتذكرون ويتصلون بربهم ويعلمون منه أمر رسوله وأحقيته، بل المفروض أنهم متذكرون مثلك، ويعرفونك قبل أن تؤذن، ولكنهم للأسف انشغلوا بالدنيا حتى ذكرتهم أنت فانتبهوا.
إذن، فالناس يأتوك بمجرد أن تعلن، أما غير الناس أو الذين نكسوا فطرتهم حتى لم يعد من اللائق أن يسموا ناس، فهؤلاء أكيد لا ينفعهم لا أذان ولا أي شيء آخر.
[ وهذا ما قاله ورثة إبراهيم (عليه السلام) وهم الخاصة المخلصون لله من ذرية إبراهيم (عليه السلام)
حيث أسكنهم إبراهيم (عليه السلام) بأمر الله قرب البيت الحرام ليكونوا هم أئمة الناس الذين يؤذنون بالحج ويقيمون الصلاة أي يقومون بدين الله سبحانه بعد أبيهم إبراهيم (عليه السلام)
فيجب على الناس أن يأتوهم كما وجب على الناس إتيان أبيهم إبراهيم (عليه السلام) من قبل،
“رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” [إبراهيم:37].
في الكافي – الكليني: ج1 ص392 – 393:
– …. عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة، فقال: هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية، إنما أمروا أن يطوفوا بها، ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم، ثم قرأ هذه الآية ” واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
– …. عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) – ورأي الناس بمكة وما يعملون – قال فقال: فعال كفعال الجاهلية أما والله ما أمروا بهذا وما أمروا إلا أن يقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم فيمروا بنا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرتهم.
– …. عن سدير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) وهو داخل وأنا خارج وأخذ بيدي، ثم استقبل البيت فقال: يا سدير إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا وهو قول الله: “وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ثم أومأ بيده إلى صدره – إلى ولايتنا – ثم قال: يا سدير فأريك الصادين عن دين الله، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم حلق في المسجد، فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إن هؤلاء.. لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله (صلى الله عليه واله) حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله (صلى الله عليه واله)].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)