إنّ الرؤى الصادقة هي وحي ونص من الله عند خلقه، يعرفهم به على خليفته في أرضه، وهي باعتبارها وحياً إلهياً فهي دليل مستقل إنْ تحققت فيها الشروط.
وبعد آدم لابد أنْ يكون مع الخليفة نص من خليفة سابق لتوفره،
فإن لم يكن حاملاً لهذا النص ستكون الرؤى المدعاة مجرد أكاذيب تواطأ عليها كذابون لتأييد مذهبهم ودينهم المنحرف المخالف للدين الحق والعقيدة الحق؛ وهي نص خلفاء الله في أرضه بعضهم على بعض،
وكما يمكن معرفة أنها أكاذيب من إمكان تواطئ المدعين لها على الكذب مثلاً.
ولا يجب الالتفات للرؤى المدعاة في نفي خلافة الله في أرضه عن شخص؛ لأن ما ثبت شرعاً هو أنها تأتي كدليل تشخيص، ولم يثبت شرعاً أنها تأتي كدليل معارضة أو نفي،
ولا يجب الالتفات للرؤى في تحديد الأحكام الفقهية والعقائد إلا إنْ أقرّها خليفة الله؛ لأنّ الدين يبيّنه خليفة الله القائم به بأمر الله.
محاولة بائسة:
﴿بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾[الأنبياء: 5] هذا القول يكرّره الذين يكفرون بملكوت السماوات ويكذبون رسل الله في كل زمان، يكررونه مع كل رسالة وكأنهم تواصوا به وبتكراره.
ومن محاولاتهم البائسة لإثبات أنّ رؤى المؤمنين ما هي إلا أضغاث أحلام؛ هو الكذب على الله وافتراء رؤى مكذوبة ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾[الأنعام: 93].
هو أمر عند الله عظيم، ولكنه عند هؤلاء المنكوسين هيّن. فهم بكل سهولة يقومون بتأليف رؤى مكذوبة ضد خليفة الله في زمانهم، في محاولة بائسة للطعن بشهادة الله أمام المؤمنين، وفي نفس الوقت هم يقولون إنهم لا يعتقدون بالرؤيا وبأنها دليل تشخيص لخليفة الله في أرضه، وهذا يكشف كذبتهم ومحاولتهم للفرار من إلزامهم بآلاف الرؤى الواضحة والموافقة لنص تشخيص خليفة الله، والتي رآها عدد من الناس يمتنع تواطؤهم على الكذب.
وأيضاً هؤلاء المنكوسون عندما يكذبون ويؤلفون رؤى لا يلتفتون إلى أنّ هذا الأمر أصبح كشفه بسيطاً جداً بعد آدم (عليه السلام)؛ حيث إنّ هناك نصاً من خليفة سابق وهو نص إلهي، فنص الله على خليفته بالرؤيا حتماً مطابق له ولا يخالفه، وبالتالي
فكل من يؤلف رؤيا كذباً وزوراً مخالفة لنص الخليفة السابق يتبيّن أنه كاذب على الله.
[ربما يشكل هؤلاء الكاذبون؛ ويقولون: لماذا لا يكون المخالف لنا هو الكاذب ؟
وهذا جوابه بعرض رؤاهم ورؤى مخالفهم على نص خليفة الله السابق الموصوف بأنه عاصم من الضلال، فالرؤى التي تطابقه هي الصادقة؛ لأن الله واحد وقوله واحد، والتي تخالفه يتبيّن أنها رؤى مكذوبة أو مجرد أوهام نفس شيطانية].
وعموماً، هم يريدون الوصول إلى نتيجة من هذا الكذب؛ وهي الطعن في الرؤيا عموماً وفي أهميتها، فكأنهم يقولون إنّ رؤاهم (المكذوبة) تنقض رؤى المؤمنين (الصادقة)، فتسقط حجية رؤى المؤمنين، أي أنهم يحاولون أو يريدون الطعن في ملكوت السماوات من خلال الافتراء على ملكوت السماوات، أي بطريقة غاية في الخبث والشيطنة، فهم يريدون أنْ يقولوا: إن الأخبار التي أتت من ملكوت السماوات متضاربة، وبالتالي تتساقط. وهذا يعني أنهم يعتقدون ببطلان الرؤى من رأس وأنها لا قيمة ولا حجية لها أصلاً. فالذي يعتقد أنّ الرؤى من ملكوت السماوات، وأنها كلام الله يعلم قطعاً ويقيناً أنها تصب في اتجاه واحد وتشير لحقيقة واحدة؛ لأنها كلمات الله وبالتالي فلا تضارب حقيقي بينها. نعم، هناك تضارب بين رؤى حقيقية وأكاذيب وأوهام وسفاهات شيطانية تبدأ بالطعن برؤى المؤمنين، ثم الطعن بملكوت السماوات، وأخيراً تنتهي بتكذيب القرآن القائل: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ…. قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[العنكبوت: 50، 52]. بل وتكذيب الواقع الذي نقله التاريخ من شهادة الله لمن آمنوا بعيسى (عليه السلام) وبمحمد (صلى الله عليه وآله) وبعلي (عليه السلام) وبالحسن وبالحسين (عليهما السلام) و… و… و….
وعموماً فالأمر واضح، والطريق مقطوع على المكذبين كما بيّنت سابقاً أنه لا يجب الالتفات إلى الرؤى المدعاة في نفي خلافة الله في أرضه عن شخص؛ لأنّ ما ثبت شرعاً هو أنها تأتي كدليل تشخيص وليس دليل معارضة أو نفي عمّن ثبت فيه النص الشرعي من خليفة سابق.
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)