المكلّفون الذين يواجهون أي مرسل (خليفة) سبقته فترة ليسوا مكلفين بمعرفة حال الناس السابقين في زمن الفترة التي تسبق الخليفة المرسل، وإلى أين مآلهم، وهل ذهبوا للجنة أم للنار، وما كان يجب عليهم أن يعملوا؛ لأنه زمن قد انتهى، وهم قوم قد ماتوا وانقضى زمن تكليفهم، وتكليف من يواجهون المرسل هو البحث في دليله والإيمان به لا الانشغال بالسؤال عن حال من سبقوهم ومآلهم، وما كان عليهم أن يعملوا، وهل كانوا مقصرين أم لا، وهل تقصيرهم أدى بهم إلى النار والعياذ بالله أم لا.
ولهذا قال تعالى في جواب فرعون على لسان موسى (عليه السلام) : (عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي).
ففرعون ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾[طه: 51].
وجواب موسى (عليه السلام) الإلهي: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى﴾[طه: 52].
والجواب الإلهي لفرعون على لسان موسى (عليه السلام) معناه: لا تسأل عن القرون الأولى بقصد استخفاف قومك بهذا الإشكال؛ لأن السؤال عنها لا علاقة له بالموضوع المطروح، وهو صحة بعثة موسى (عليه السلام)، وبطلان عقيدة فرعون وقومه الآن.
إنّ السؤال “فما بال القرون الأولى”، أو “ماذا كان على الناس أن تفعل قبل بعثك أيها المرسل”؟ هو سؤال أو إشكال كان دائماً علماء الضلال يستخدمونه لتبرير منهجهم الباطل؛ بأن الأمر محصور بمنهجهم لا غير، حيث يدَّعون أنه لا يوجد بديل إلهي قبل بعث المرسل !
ولو كان هناك خطأ فلماذا لم يرسل الله قبلك مرسلين لإصلاح هذا الخطأ والضلال؟!
لماذا تأخّر الإصلاح كل هذه الفترة، وما ذنب السابقين؟
وهكذا واجه الأحناف واليهود والمسيحيون محمداً (صلى الله عليه وآله) بنفس الإشكال وهو: إذا كان منهج مرجعية العلماء باطل فأين البديل الإلهي في الأزمنة السابقة؟ لماذا لم يرسل قبلك كل هذه الفترة الطويلة، لماذا الفترة ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة: 19]؟ لماذا لم ينذر الآباء، وتركوا في غفلتهم وباطلهم لو كانوا على باطل أو يتبعون منهجاً مبتدعاً باطلاً لا يرضاه الله؟ ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾[يس: 6].
ونفس الإشكالات تتجدد الآن.
◄ما هي الفترة و ما هي علّتها (سببها) ؟
الفترة: هي زمن لا يكون فيه رسول مرسل مأمور بتبليغ الناس برسالته، ففي زمن الفترة يمكن أن يكون الرسول موجوداً منصباً وقد هيأه الله بالعلم، ولكن لعدم وجود القابل لا يأمره الله بالتبليغ، ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ… وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: 6، 10]. فليس من الحكمة التبليغ والحال إنه لا يوجد قابل ولا نتيجة مرجوّة من التبليغ، ووجود الرسول والحال هذه موافق للحكمة؛ لأن فيه إقامة الحجة على الناس، ولا يكون للناس حجة مع وجود الرسول،
فيكون هذا الزمان هو زمان فترة يوجد فيه رسول وهو خليفة الله في أرضه وحجته على عباده، أو من نصبه – في زمن غيبته أو رفعِه [ كما هو حال إيليا وعيسى ومحمد بن الحسن (صلوات الله عليهم أجمعين)] – ولكن لا يؤمر بالتبليغ وإنْ كانت الفترة طويلة كان فيها أكثر من رسول،
ولزمن الفترة أشار تعالى بقوله: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[المائدة: 19].
وكلمة “فترة” في الآية لا تعني الانقطاع التام، بل تعني الضعف والفتور، أي أنّ الرسل في زمن الفترة موجودون، ولكن هناك فترة وسكون في مهمتهم الرسالية، يتمثل في عدم تكليفهم بتبليغ الرسالة الإلهية التي تتمثل على أقل تقدير في أنّ هؤلاء الرسل هم حجة على بقية الناس والكاشفين عن إرادة الله سبحانه وتعالى ….
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ لماذا الناس مرجون لأمر الله في زمن الفترة ؟
هو أيضاً الرحمة بالناس، فحمْل المؤمنين بالحق كثيراً من الباطل واعتقادهم ببعض الباطل، وكونهم للأسف مقصرين في استقبال المرسل من الغيب؛ هذا لا يعني أنهم حتماً يخلدون في النار، بل إنّ مقتضى رحمة الله فيما سبق هو بما أنه لا يوجد قابل فقد رحمهم الله ولم يجعل الرسول المهيأ يبلغهم ويعلن دعوته لجميع الناس؛ لأنه لو بلغهم ولم يقبلوه ستكون نتيجتهم أنهم يستحقون جهنم، ولهذا تركهم الله لرحمته ولم يأمر بتبليغهم وكانوا بهذا مرجون لأمر الله في زمن الفترة.
﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة: 106].
أي أن سبب وعلة الفترة هي عدم وجود القابل، وأيضاً لكون الفترة تمثل رحمة للناس.
ونجده سبحانه وتعالى بيّن بوضوح تام مسألة الفترة وحال الناس فيها، ولماذا لم يرسل لهم، وما سيكون حالهم لو أنه سبحانه أرسل لهم، ﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ * وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 6 – 12].
والآيات كما تبيّن الفترة وعلتها وهو عدم وجود القابل ﴿وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾، تبين أيضاً بوضوح أنّ سبب إرسال الرسول ليبلغ الناس وينذرهم بعد الفترة السابقة هو وجود القابل الآن ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾،
وفي كلا الحالين كان الحاكم على الإرسال والتبليغ من عدمه هو الرحمة الإلهية المطلقة وعلمه سبحانه بحال عباده، ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.
ولهذا فمقتضى الرحمة كان أنْ لا يأمر المرسل بالإنذار والتبليغ عندما لم يكن هناك قابل، فيترك عباده لرحمته مرجون لأمره، بينما يرسل من ينذر ويبلغ عندما جاء القابل ليكسب أولياؤه أعلى الدرجات وهم ينصرون رسله وأمره سبحانه وتعالى.
وقد بيّن القرآن أنّ الرسل الذين بلغوا وأعلنوا دعواتهم هم مجتبون من عموم الرسل [أي الذين أُمروا بالتبليغ وبلغّوا أو الذين لم يؤمروا بالتبليغ أصلاً كما في أزمنة الفترات]،
﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران: 179].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ هل يمكن أن يعلن المرسل رسالته لبعض الناس ولا يعلنها لآخر ؟
وهذا الأمر كان حتى مع بعض أبناء الأئمة [ولا مانع أن لا يبلغ الإمام بعض أبنائه بإمامته إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، ولا يمكن أن يدعي أحد أنه أعرف بالمصلحة من الإمام حيث إنه متصل بالله ويُوحى له من الله].
وأدناه رواية، هي عبارة عن نقاش بين زيد بن علي وبين مؤمن الطاق وبإقرار الإمام الصادق (عليه السلام) لمؤمن الطاق أنّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) ترك ابنه زيداً مرجواً لأمر الله وله فيه الشفاعة:
«عن مؤمن الطاق واسمه محمد بن علي بن النعمان أبو جعفر الأحول، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل زيد بن علي فقال لي: يا محمد بن علي أنت الذي تزعم أن في آل محمد إماماً مفترض الطاعة معروفاً بعينه ؟
قال: قلت: نعم كان أبوك أحدهم.
قال: ويحك فما كان يمنعه من أن يقول لي فو الله لقد كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها، أ فتراه كان يشفق على من حر الطعام ولا يشفق على من حر النار ؟
قال: قلت: كره أن يقول لك فتكفر فيجب من الله عليك الوعيد ولا يكون له فيك شفاعة، فتركك مرجئ لله فيك المشيئة و له فيك الشفاعة»[رجال الكشي: ص187].
وعن مؤمن الطاق قال:
«قال زيد بن علي: يا محمد بن علي بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إماماً مفترض الطاعة.
قال: قلت: نعم وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم.
فقال وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى أنه كان يشفق على من حر اللقمة ولا يشفق على من حر النار ؟
قال: قلت له: كره أن يخبرك فتكفر فلا يكون له فيك الشفاعة ولا لله فيك المشيئة. فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أخذته من بين يديه ومن خلفه فما تركت له مخرجاً»[رجال الكشي: ص187].
وفي الكافي:
«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الأَحْوَلُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) بَعَثَ إِلَيْه وهُوَ مُسْتَخْفٍ قَالَ فَأَتَيْتُه
فَقَالَ لِي يَا أَبَا جَعْفَرٍ مَا تَقُولُ إِنْ طَرَقَكَ طَارِقٌ مِنَّا أتَخْرُجُ مَعَه
قَالَ فَقُلْتُ لَه إِنْ كَانَ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ خَرَجْتُ مَعَه
قَالَ فَقَالَ لِي فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ أُجَاهِدُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَاخْرُجْ مَعِي
قَالَ قُلْتُ لَا مَا أَفْعَلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ
قَالَ فَقَالَ لِي أتَرْغَبُ بِنَفْسِكَ عَنِّي
قَالَ قُلْتُ لَه إِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَ لِلَّه فِي الأَرْضِ حُجَّةٌ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ نَاجٍ والْخَارِجُ مَعَكَ هَالِكٌ وإِنْ لَا تَكُنْ لِلَّه حُجَّةٌ فِي الأَرْضِ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ والْخَارِجُ مَعَكَ سَوَاءٌ
قَالَ فَقَالَ لِي يَا أَبَا جَعْفَرٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَ أَبِي عَلَى الْخِوَانِ فَيُلْقِمُنِي الْبَضْعَةَ السَّمِينَةَ ويُبَرِّدُ لِيَ اللُّقْمَةَ الْحَارَّةَ حَتَّى تَبْرُدَ شَفَقَةً عَلَيَّ ولَمْ يُشْفِقْ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ النَّارِ إِذاً أَخْبَرَكَ بِالدِّينِ ولَمْ يُخْبِرْنِي بِه
فَقُلْتُ لَه جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ شَفَقَتِه عَلَيْكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ لَمْ يُخْبِرْكَ خَافَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَقْبَلَه فَتَدْخُلَ النَّارَ وأَخْبَرَنِي أَنَا فَإِنْ قَبِلْتُ نَجَوْتُ وإِنْ لَمْ أَقْبَلْ لَمْ يُبَالِ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ ثُمَّ قُلْتُ لَه جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتُمْ أَفْضَلُ أَمِ الأَنْبِيَاءُ
قَالَ بَلِ الأَنْبِيَاءُ
قُلْتُ يَقُولُ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً لِمَ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى كَانُوا لَا يَكِيدُونَه ولَكِنْ كَتَمَهُمْ ذَلِكَ فَكَذَا أَبُوكَ كَتَمَكَ لأَنَّه خَافَ عَلَيْكَ
قَالَ فَقَالَ أَمَا واللَّه لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ حَدَّثَنِي صَاحِبُكَ بِالْمَدِينَةِ أَنِّي أُقْتَلُ وأُصْلَبُ بِالْكُنَاسَةِ وإِنَّ عِنْدَه لَصَحِيفَةً فِيهَا قَتْلِي وصَلْبِي
فَحَجَجْتُ فَحَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) بِمَقَالَةِ زَيْدٍ ومَا قُلْتُ لَه فَقَالَ لِي أَخَذْتَه مِنْ بَيْنِ يَدَيْه ومِنْ خَلْفِه وعَنْ يَمِينِه وعَنْ شِمَالِه ومِنْ فَوْقِ رَأْسِه ومِنْ تَحْتِ قَدَمَيْه ولَمْ تَتْرُكْ لَه مَسْلَكاً يَسْلُكُه»[الكافي – الكليني: ج1 ص174].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)
◄ توضيح بخصوص زيد بن علي (عليه السلام)
«عن معتب قال: قرع باب مولاي الإمام الصادق (عليه السلام) فخرجت فإذا زيد بن علي (عليه السلام) فقال الصادق (عليه السلام) لجلسائه: أدخلوا هذا البيت وردوا الباب ولا يتكلم منكم احد، فلما دخل قام إليه فاعتنقا وجلسا طويلاً يتشاوران ثم علا الكلام بينهما، فقال زيد: دع ذا عنك يا جعفر، فوالله لئن لم تمد يدك أبايعك أو هذه يدي فبايعني لأتعبنك ولأكلفنك ما لا تطيق، فقد تركت الجهاد وأخلدت إلى الخفض وأرخيت الستر، واحتويت على مال المشرق والمغرب، فقال الصادق (عليه السلام) : يرحمك الله يا عم يغفر لك الله يا عم. وزيد يسمعه ويقول: موعدنا الصبح أليس الصبح بقريب؟ ومضى فتكلم الناس في ذلك فقال الصادق (عليه السلام) : مه لا تقولوا لعمي زيد إلا خيراً رحم الله عمي زيداً فلو ظهر لوفى، فلما كان في السحر قرع الباب ففتحت له الباب فدخل يتشهق ويبكي، ويقول: ارحمني يا جعفر رحمك الله، ارض عني يا جعفر رضي الله عنك، اغفر لي يا جعفر غفر الله لك، فقال الصادق (عليه السلام) : غفر الله لك ورحمك ورضي عنك، فما الخبر يا عم؟ قال: نمت فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) داخلاً علي، وعن يمينه الحسن وعن يساره الحسين (عليهما السلام)، وفاطمة (عليها السلام) خلفه، وعلي (عليه السلام) أمامه، وبيده حربة تلتهب التهاباً كأنها نار، وهو يقول: يا زيد آذيت رسول الله في جعفر، والله لئن لم يرحمك ويغفر لك ويرضى عنك لأطعنك بهذه الحربة فلأضعنها بين كتفيك، ثم لأخرجها من صدرك، فانتبهت فزعاً مرعوباً فصرت إليك، فارحمني يرحمك الله. فقال (عليه السلام) : رضي الله عنك وغفر الله لك، أوصيني فإنك مقتول مصلوب محرق بالنار، فوصى زيد بعياله وأولاده وقضاء الدين عنه» [مناقب آل أبي طالب – ابن شهراشوب: ج3 ص352؛ مدينة المعاجز: ج6 ص103 – 105؛ بحار الأنوار: ج47 ص128].
وزيد بن علي عالم يقر علمه المخالف والمؤالف، وقد ابتلي وامتحن بابن أخيه وأقر بإمامته، واقتحم العقبة ولم يعثر بالصادق (عليه السلام)، رغم إنّ الامتحان لم يكن هيناً بالنسبة له، فهذا فضل عظيم لزيد (عليه السلام)، فلو كان ابتلاء زيد بأخيه الباقر فقط لهان، ولو كان ابتلاءه بأبيه لكان أهون، ولكنه امتحن وابتلي بعقبة أعظم واجتازها، ولهذا فقد ذكر زيداً رسول الله وعلي (عليه السلام) وبكيا عليه (عليه السلام)، وهذا هو الفضل العظيم.
ولعل من الضروري نقل ما قال الأئمة (عليهم السلام) في فضل هذا العالم الفاضل زيد بن علي (عليه السلام)، لكي لا يظن أحد بزيد (عليه السلام) سوءاً:
الكافي – الشيخ الكليني ج8 ص264: «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه وانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ فَوَاللَّه إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَه الْغَنَمُ فِيهَا الرَّاعِي فَإِذَا وَجَدَ رَجُلاً هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِه مِنَ الَّذِي هُوَ فِيهَا يُخْرِجُه ويَجِيءُ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ بِغَنَمِه مِنَ الَّذِي كَانَ فِيهَا واللَّه لَوْ كَانَتْ لأَحَدِكُمْ نَفْسَانِ يُقَاتِلُ بِوَاحِدَةٍ يُجَرِّبُ بِهَا ثُمَّ كَانَتِ الأُخْرَى بَاقِيَةً فَعَمِلَ عَلَى مَا قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا ولَكِنْ لَه نَفْسٌ وَاحِدَةٌ إِذَا ذَهَبَتْ فَقَدْ واللَّه ذَهَبَتِ التَّوْبَةُ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ آتٍ مِنَّا فَانْظُرُوا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ولَا تَقُولُوا خَرَجَ زَيْدٌ فَإِنَّ زَيْداً كَانَ عَالِماً وكَانَ صَدُوقاً ولَمْ يَدْعُكُمْ إِلَى نَفْسِه إِنَّمَا دَعَاكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) ولَوْ ظَهَرَ لَوَفَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْه إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى سُلْطَانٍ مُجْتَمِعٍ لِيَنْقُضَه فَالْخَارِجُ مِنَّا الْيَوْمَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَدْعُوكُمْ إِلَى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) فَنَحْنُ نُشْهِدُكُمْ أَنَّا لَسْنَا نَرْضَى بِه وهُوَ يَعْصِينَا الْيَوْمَ ولَيْسَ مَعَه أَحَدٌ وهُوَ إِذَا كَانَتِ الرَّايَاتُ والأَلْوِيَةُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْمَعَ مِنَّا إِلَّا مَعَ مَنِ اجْتَمَعَتْ بَنُو فَاطِمَةَ مَعَه فَوَاللَّه مَا صَاحِبُكُمْ إِلَّا مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَيْه إِذَا كَانَ رَجَبٌ فَأَقْبِلُوا عَلَى اسْمِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ وإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَتَأَخَّرُوا إِلَى شَعْبَانَ فَلَا ضَيْرَ وإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَصُومُوا فِي أَهَالِيكُمْ فَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى لَكُمْ وكَفَاكُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ عَلَامَةً».
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) – الشيخ الصدوق ج2 ص225: «حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: اخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة واحرق دور ولد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما أتاه بصغير فقال الرضا (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فانه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام) يقول: رحم الله عمي زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا (عليه السلام) : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى لله من ذلك انه قال: ادعوكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى أن الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: “وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتبيكم”».
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) – الشيخ الصدوق ج2 ص225: «حدثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: اخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة واحرق دور ولد العباس وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل ولولا مكانك مني لقتلته فليس ما أتاه بصغير فقال الرضا (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي فانه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي (عليهم السلام) يقول: رحم الله عمي زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا (عليه السلام) : إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى لله من ذلك انه قال: ادعوكم إلى الرضا من آل محمد (عليهم السلام) وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى أن الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: “وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتبيكم”».
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)