…. خلافة الله في أرضه هي العقيدة الحقة،
وأن الله يرسل خلفاءه في كل زمان،
سواء كانوا ظاهرين معلنين ينصرهم بعض الناس عند وجود القابل،
أو مستورين غير معلنين (مجمّدين) عند عدم وجود القابل،
فبهم تقام الحجة على الناس ويقطع عذرهم، (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)،
وهم يحققون العلة من الخلق وهي المعرفة،
وأيضاً بهم تمضى إرادة الله في ملكه؛ لأنهم السبيل الوحيد لذلك، فغيرهم عاجزون عن معرفة إرادته فكيف يمضونها في ملكه.
وهنا يجب الالتفات إلى أنّ هذه العقيدة الحقة التي بيّناها فيما تقدم موافقة للأصل الذي يدركه أي مؤمن عاقل، وهو أن المالك الحقيقي للأرض ومن فيها هو الله وليس لأحد ولاية في ملك الله بدون إذنه سبحانه،
بينما الاعتقاد بحاكمية الناس تشريعاً أو تنفيذاً أو حتى القول بإمكان تخلف الاستخلاف يعني أن هناك ولاية لغيره سبحانه وتعالى في ملكه بدون إذنه، وهو باطل بداهة بل والاعتقاد بهذا يصل إلى حد إبطال لاهوته المطلق.
وبهذا يُردّ قول أهل السنة وغيرهم إن التنصيب بيد الناس (بالشورى أو بيعة أهل الحل والعقد أو الغلبة أو غيرها من وسائل).
فالأرض ومن عليها والسماوات بما فيها خلقها الله وهو مالكها بما فيها. فالملك ملك الله، والثابت بداهة أن التصرف في الملك لمالكه الحقيقي، وليس لأي أحد أن يتصرف بملك غيره بغير إذنه،
فنقل أهل السنة حق التصرف بملك الله إلى الناس وجعل الحاكمية بملكه سبحانه للناس وأنهم لهم حق تنصيب من يشاءون حاكماً في ملك الله بدون دليل قطعي هو عملية اغتصاب لحق الله وتجاوز على الله سبحانه،
ولا مخرج لهم إلا بالإقرار بأنّ الحاكمية لله والتنصيب بيد الله سبحانه. وبهذا يثبت أن الحق مع آل محمد (عليهم السلام)
أو أن يأتي منظرو السنة بدليل قطعي بأن الله قد أذن للناس في تنصيب من يشاءون، وهذا غير موجود. فالعقائد تؤخذ بالأدلة القطعية وليس لديهم دليل قطعي على قولهم.
ولا بأس من بيان الأمر بصورة أخرى:
الأصل في الولاية على الناس أنها لله، والاستخلاف فرع عن هذا الأصل، فالخليفة ولايته فرع ولاية الله، ولا يحق لأحد أن ينقل ولاية الله لغيره إلا بدليل شرعي قطعي.
فالأصل أنّ الولاية ثابتة لله على الناس، وليس لإنسان على إنسان ولاية إلا بدليل قطعي.
فأما أن يقولوا إنّ الحاكم – أو أيٍّ كان من خلفائهم – ليس له ولاية على الناس فينتقض حكمه ويبطل،
أو أن يقولوا إنّ له ولاية على الناس كحال المنصب من الله فعليهم أن يأتوا بدليل قطعي ونص تشخيصي إلهي لكل فرد يدعون له الخلافة والولاية على الناس.
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)