مسألة التطور عموما لا يمكن أن ينكرها الآن إلا شخص جاهل بما تعنيه، فإذا كان لدينا تمايز وانتقاء ووراثة فحتما يكون هناك تطور هذه مسألة تكاد تكون بديهية وتكاد لا تحتاج حتى الى الاحفوريات والتشريح المقارن لإثباتها،
والتمايز الجيني بين أفراد النوع الواحد كان ولا يزال موجودا،
والطبيعة المحيطة بالأفراد والتي تناسب بعض أفراد النوع – الذين يحملون الجينات المفضلة – أكثر من غيرهم موجودة غالبا،
والوراثة حتما موجودة طالما هناك توالد،
وإذا وجدت هذه الثلاثة – التي لم تخلُ منها الأرض يوما منذ بدأت الحياة – يكون هناك تطور،
وما يفعله بعض رجال الدين إذا لم يكن عن جهل بمعنى التطور وتفاصيله فهو مجرد عناد لأنهم يظنون أن التطور يتعارض مع النص الديني،
والحقيقة انهم لا يعرفون حتى معنى النشوء والارتقاء ومع هذا تجدهم يردون بشكل خاطئ أو يكذبون بكل وقاحة فمثلا يعتقد بعضهم أن التطور يعني الارتقاء من نوع الى نوع في حين لا يقول علماء الأحياء الحاليون – ولا حتى دارون – إن التطور يحصل من نوع الى نوع آخر مختلف تماما مباشرة فلا يوجد احد يقول إن السمك تطور الى حيوان برمائي مباشرة بل حتى على مستوى الأسماك التي تسير على الطين بواسطة زعانفها لا يوجد احد يقول إن السمكة مباشرة انتقلت من سمكة مائية الى سمكة برمائية (mudskipper)،
وبعضهم يشكل على التطور بأن العادات لا تنتقل وهو لا يعرف أوليات التطور وان التمايز المقصود هو تمايز جيني وليس تمايز عادات أو سلوك فالسير على قدمين الذي يميز البشر مثلا لم يحصل نتيجة عادة – فالعادة لوحدها لا قيمة لها – لأنها لا توَرَث بل ما يحصل هو عملية انتقاء طبيعي للأفراد الحاملين للجينات المفضلة.
عموما إنكار التطور أصبح اليوم كمسألة إنكار دوران الأرض سابقا.
والأدلة العقلية التي أوردها القرآن لا تتعارض مع نظرية التطور
فدليل ان العدم غير منتج ((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ))الطور : 35 لا يتعارض مع نظرية التطور ولا يَتَصوَر تعارضه معها إلا جاهل نعم يمكن أن يتوهم تعارضه مع نظرية الانفجار العظيم على اعتبار انها ونظرية الكم ونظرية ام يمكن أن تفسر ظهور الكون من العدم وهذه عموما نظرية كونية أوسع من حدود هذه الأرض.
والدليل الآخر هو أن صفة الأثر دالة على صفة المؤثر (ومنه دليل التقنين ودليل النظم ودليل الهدف ودليل الحكمة…) وهذا الدليل ربما يحصل وهم انه يتعارض مع نظرية التطور ولكنه في الحقيقة أيضاً غير متعارض معها لأن وجود قانون الجينات يكفي لإثباته وهذا يعني اننا نحتاج فقط إثبات أن الخريطة الجينية مقننة وهذا أمر ثابت.
اما النص الديني القرآني والروائي فهو لا يتعارض مع التطور بل يؤيده بوضوح وهذه أمثلة من النصوص:
قوله تعالى : ((وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً (16) وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتا)) نوح 14 – 17
وظاهر النص واضح (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً) : ومثل لهذه الأطوار السماوات، السبع والسماوات السبع متدرجة في التطور والتعقيد
ثم بين الأمر بوضوح أكثر (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتا) ومعنى هذا انكم نتاج بذرة بذرها الله في الأرض (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم) أو لنسميها خريطة الله الجينية التي بذرت في الأرض وكان الهدف الوصول – أخيراً- الى جسم مؤهل لاستقبال النفس الإنسانية التي خلقت من الطين المرفوع الى السماء الأولى ونفخ الروح فيه.
وعن محمد بن علي الباقر صلوات الله عليه: ((لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عز وجل أبا هذا البشر وخلق ذريته منه)) الخصال – للصدوق ص 359.
السيد أحمد الحسن
جمادي الثاني 1433 هـ