يطرح الملحدون إشكالاً مفاده: إن حدوث الزلازل في الأرض واصطدام بعض الأحجار أو الكويكبات بالأرض في أوقات سابقة… الخ، يدل على أن الموجود ليس نظاماً بل عشوائية.
وهذا في الحقيقة لا يعدو كونه إشكال الجاهل على فعل ما يجهله، فوجود النظام العام المنتج وثبوته وثبوت كونه منتج لهدف، لا ينقض بوجود حدث لا يتفق مع النظام العام بحسب الظاهر،
ولتقريب الصورة أكثر: فلو كان هناك بستان منظم وفيه أشجار منظمة وغاية في الدقة والتنظيم من جهة الأنواع والمسافات بينها، ورأينا في وسط هذا البستان قطعة أرض قد قلعت أشجارها وجرفت تربتها، فهل هذا الحدث وجهلنا بحيثياته يخولنا أن نحكم على هذا البستان بأنه غابة أو غير منظم، رغم كل التنظيم الذي نراه يحيط بهذه البقعة التي خربت؟
الحقيقة إننا نكون في قمة العبثية إن حكمنا على هذا البستان بأنه غابة لأننا وجدنا في وسطه بقعة خربت بصورة ما، مع أننا لا ندري لعل سبب هذا التخريب هو لإنشاء دار للسكن في البستان، أو إنشاء بحيرة لزراعة الأسماك، أو مزرعة أبقار أو مرعى مكشوف… الخ، من أسباب محتملة لا نعلمها.
ونفس الشيء ينطبق على الأحداث التي يقولون إنها تنقض دليل النظم في هذه الأرض وهذا الكون، فحيث إن النظم قد تبين وثبت بالأدلة، فإنه لا يُنقض بأحداث جُزئية لا يُعلم علتها بصورة تامة، وربما لو عرفنا علتها لقلنا إنها غاية التنظيم والحكمة [وجود التفاوتات الكمومية في الفراغ كافٍ لدحض فكرة أنّ الإنسان يمكنه الإحاطة بالأسباب والعلل بصورة تامة].
فأي جهل أكبر من أن يحكم كائن لا يتجاوز عمره في أحسن الأحوال مائة عام – كالإنسان -، على حدث يمتد أثره بعده آلاف أو مئات الآلاف أو حتى ملايين السنين،
أليس هذا تماماً كحكم خُلد أعمى يقبع في جحر تحت الأرض على من يقومون بحفر أساس لناطحة سحاب، بأنهم مخربون وعبثيون وقوة غير منظمة ولا عاقلة؛ لأن حفرهم تسبب بإتلاف جحره مثلاً ؟!
ثم من قال إن كل حدث يخالف المصالح المادية الجسمانية لبعض الموجودات في وقتٍ ما هو فعل عبثي غير عاقل، أليس من الممكن أن يكون هادفاً لإصلاح بعض النفوس، أو يهدف لتحقيق مصلحة الكل ؟
أليس القوانين العادلة التي يقرها الجميع تنص على معاقبة المجرم القاتل أو السارق، فهل هذه العقوبة عبث وتدل على عدم النظام وعدم العقل؛ لأنها تسبب ضرراً لإنسان ما؟ أم إن هذه العقوبة هي غاية الحكمة والتنظيم والعقل مع اشتمالها على إتلاف نفس أو مال أو التسبب بضرر ما ؟!!!
الحقيقة إن النظم ثابت، وبالتالي فقد ثبت المنظم الحكيم لمن يطلب الحق، والإشكالات لا تنقض الدليل، بل تبقى مجرد إشكالات تشير إلى فشل ملقيها في إثبات عقيدته، ولهذا فهو انتقل إلى الإشكال بعد أن أقرّ بعجزه عن مقارعة الدليل [وهذا الأمر نجد كل عاجز يتعكز عليه لعله يرضي نفسه بالتمسك بعقيدته الباطلة].
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)