صفة الإرادة: وتعني أن الله مريد وغير مريد،
فقد أوجد أشياء ولم يوجد غيرها، ومخصص إيجادها وعدمه هي إرادته سبحانه وتعالى،
وهو سبحانه أمر ونهى، ومخصص الأمر والنهي هي إرادته سبحانه،
فهو مريد لما أوجد وهو مريد لما أمر، وهو غير مريد لما نهى.
فإرادته سبحانه متعلقة بفعله هو من جهة وقوعه في الخارج،
أما تعلقها بأفعال عباده فليس من جهة وقوعها في الخارج، بل من جهة أنه أمر بها أو نهى عنها، لأنها ليست أفعاله بل أفعال عباده،
ومخصص وقوعها في الخارج هو إرادة فاعلها وهو العبد نفسه.
تعلق الإرادة الإلهية بالإنسان وأفعاله:
أولاً: الله مريد للإنسان، لهذا خلقه وأعطاه الحول والقوة.
ثانياً: الله مريد لبعض أفعال الإنسان التي مكنّه الله من فعلها لهذا أمره بها،
وغير مريد لبعض أفعاله التي مكنّه الله من فعلها أيضاً لهذا نهاه عنها.
ثالثاً: وقوع أفعال العباد في الخارج لا تعني أنه سبحانه مريد لها، بل غاية ما في الأمر أنه أمضاها؛ لأن العباد يوقعونها في الخارج بحول وقوة خولّها الله لهم ولكن بإرادتهم هم وإنْ كانت بالضد من إرادة الله سبحانه؛ حيث إنهم مخيّرون وفي عالم امتحان.
فهو سبحانه يمضي (أو لا يمضي) ما يريد وما لا يريد من أفعال عباده وفق قانون وسنة إلهية كونية عامة.
ولكن إمضاءه سبحانه لما لا يريد من أفعال العبد وفقاً لإرادة العبد لا يعني أنه قد فوّض الأمور للعبد؛ لأن الله سبحانه قد وضع قانوناً تكوينياً عاماً [مثل القوانين الطبيعية وقوانين الجزاء الدنيوي على بعض الأفعال كقطع وصلة الرحم والصدقة ونتاج بعض الأفعال النفسية كالحسد …الخ.]، ويمكن أنْ يفعل الإنسان ما يريد من خير وشر ضمن هذا القانون دون أنْ يمنعه الله، إلا إنْ اقتضت الحكمة خرق هذا القانون ومنعه (كما في المعجزة).
وبهذا تُرَدُ شبهة أو مغالطة الجبر والتفويض، فالإنسان غير مجبر على أفعاله من خير أو شر، وإمضاء الله لها هو بإعطاء الإنسان الحول والقوة والاختيار ضمن حدود حدها الله سبحانه وتعالى،
والإنسان يبقى دائماً بحاجة أنْ يمده الله بالوجود والحول والقوة في كل آن وفي حال اختياره للخير أو الشر وفي حال فعله للخير أو الشر، وبهذا فلا تفويض أيضاً.
أما شبهة أو مغالطة بعض السلفيين القائلين بأنّ كل ما وقع أو حدث في الخارج فهو سبحانه مريد له ومرضي عنده فهي باطلة؛ حيث إنهم لا يميزون بين أفعاله هو سبحانه وبين أفعال عباده، ويخلطون بينهما ولا يميزون بين ما هو مرضي وغير مرضي له من أفعال عباده، ويضعون الكل في سلة واحدة ويصنفون الجميع ضمن قائمة الإرادة التكوينية – التي يقولون بها – ويتوهمون أنها جميعاً مرضية له وهو مريد لها.
والحق إنهم إذا أرادوا تصنيف كل ما وقع في الخارج على أنه واقع ضمن مصطلح الإرادة التكوينية الذي يقولون به؛ عندها
عليهم أنْ يفهموا أنّ هذه الإرادة التكوينية التي يقولون بها غير كاشفة عن أمره ونهيه وغير كاشفة عن رضاه،
بل وعليهم أنْ يدركوا أنهم قد خلطوا فيها – أي الإرادة التكوينية – أفعاله بأفعال عباده، وبهذا فهي أمر عام يشمل كل ما يقع في الخارج، سواء تعلق من جهة وقوعه في الخارج بإرادة الله أو بإرادة العبد،
أي أنّ الإرادة التكوينية بحسب هذا التعريف ليست إرادة إلهية، بل هي خلطة من الإرادة الإلهية وإرادة العباد، ولا فائدة منها في تمييز صفة الفعل أو الحدث الحاصل في الخارج وكونه مرضي لله أو غير مرضي لله أو كون الله مريد له أو غير مريد له،
ومن يستخدمها لتمييز صفة الفعل أو الحدث الواقع في الخارج فهو أحد اثنين: إما أنه لا يكاد يفقه شيئاً، أو أنه يعرف ولكنه يريد استخفاف بعض الناس الذين يتبعونه بجهل.
ولتبسيط الأمر أكثر أقول: إنّ أفعال العباد الواقعة في الخارج غير متعلقة بإرادة الله من جهة الوقوع؛ لأنها ليست أفعاله بل أفعال عباده، وبالتالي فهي متعلقة بإرادة العباد من هذه الجهة. نعم، هي متعلقة بإرادته سبحانه من جهة الأمر والنهي.
فسؤال بعض الجهلة من السلفيين: هل أن الملك – الذي لم يعيَّنه الله – حكم بإرادة الله أم رغماً عنه٬ أو السارق سرق بإرادة الله أم رغماً عنه؛ مبني على مغالطة وهي أنهم يفرضون أنّ فعل السرقة من جهة وقوعه بالخارج متعلق بإرادة الله سبحانه وتعالى في حين أنه متعلق بإرادة العبد لا بإرادة الله من هذه الجهة،
وتعلقه بإرادة الله فقط من جهة الأمر والنهي، أي فقط هل أنّ الله أمر أم نهى أنْ يحكم هذا الملك، وفقط هل أنّ الله أمر أم نهى عن السرقة.
وأيضاً: لا يوجد شيء يحصل في الوجود إلا والله قادر على منعه، ولا يوجد شيء ممكن إلا والله قادر على إيجاده،
ولكنه وضع قوانين لهذا العالم، فقد أعطى الإنسان الحول والقوة والاختيار، وفي الآخرة سيحاسبه على ما فعل وما اختار،
ولكنه لا يقهره ولا يجبره في هذا العالم على طاعة خليفة الله في أرضه وتمكينه من الحكم،
ولا يجبره ولا يقهره على الصلاة ولا على الصيام ولا على ترك السرقة… الخ،
وإلا لكان الإنسان مقهوراً مجبراً على الفعل، ولا قيمة لفعله ولا معنى لعقابه أو إثابته على قيامه بفعل معين أو تركه.
إذن، فالله يعيِّن خليفته والناس ممتحنون بتمكين خليفة الله في أرضه، فإنْ مكنوه فازوا في الدنيا والآخرة، وإنْ خذلوه ومكنوا غيره أو أطاعوا غيره، فقد خسروا آخرتهم وضيعوا حظهم.
المصدر: كتاب عقائد الإسلام – السيد أحمد الحسن (ع)